مقرف ما نقرأه في صحف القاهرة، عناوين في صورة مسدس، وأعمدة بحجم كلاشنيكوف، ومقالات بمفعول دبابة. ومحبط أيضا ما نسمعه من منصات إعلامية ودعائية من حديث الموت والأكفان، علامة على انفلات العقل، والانخراط في تيه العواطف. في مصر، أطلق العسكر والسيسي الذي انقلب على الرئيس مرسي، يد “القوة الناعمة” من صحفيين وفنانين وكتاب، في حملة شتيمة للرافضين ل “الانقلاب”، وفي مهرجان شيطنة لمؤيدي “الشرعية”، وأطلق الإخوان المتمسكون بشرعية رئسيهم منابر انجر بعضها الى خطاب التخوين، وخيل إلى بعضهم أن جبريل عليه السلام كان في رابعة العدوية، وأن أحدهم رأى النبي (ص) مع الرئيس مرسي. وفي هكذا وضع، تضيق ساحة الصدق وتتسع الأكاذيب، ويتوسع اختلاق القصص ونسج الروايات، وفي هذا الوضع أيضا، يصبح كل شيء صالحا لتعمية الرأي العام على الحقيقة، وتبرير فعل سياسي، ووضع الورد على الدبابة، أو إضفاء القدسية على المرشد والرئيس. يصر الصحفيون ومنشطو برامج “تكلم واحنا ندفع” و«تكلم من غير ما تدفع” و«قول أي حاجة المهم ضد الإخوان” في القنوات المصرية، على إشعال لهيب النار في الجبة المصرية، أجورهم العالية وامتيازاتهم تقيهم من حر النار إذا اشتعلت، فهم يتدفأون على حطب الغلابى. و- خارج السياق - لدينا في الجزائر تجربة قاسية مع هؤلاء، خلال أزمة كرة القدم والفريق الوطني في نوفمبر 2009، فأغلب الوجوه الإعلامية التي تدير الحرب لصالح السيسي ضد مرسي، هي نفسها التي أشبعت الجزائريين شتيمة وأكاذيب، لعيون جمال مبارك وإرضاء لعلاء مبارك، والأرشيف شاهد. ومثلما أن صناعة الحياة ليست استعراض سياسات، فإن صناعة الموت ليست لعبة ماء، إيقاد النار لا يحتاج إلى أكثر من حركة حك عود الثقاب على علبة الكبريت، لكن إطفاءها يحتاج إلى براميل من المياه وحشد من الإطفائيين، خاصة إذا كان المكان هشيما، واستدعاء العنف لا يحتاج إلى أكثر من برنامج تلفزيوني في الظروف المشحونة كالتي تعيشها مصر، والتطرف يستسقى من مقالات تحريض، وفي ميكانيكا صناعة الموت، الإرهاب لا يحتاج إلى أكثر من خطب منفلتة، خاصة في بيئة حاضنة للعنف أصلا، وقريبة منها مدافن السلاح الليبي المنتشرة في الصحراء. زرع الحقد والغل بالقنوات التلفزيونية زراعة خاسرة في مصر، واستنبات الكراهية بالصحف لعبة تقتل، والحبر الذي يجري في هذه اللعبة سم قاتل، والوطن الذي تتسع ساحته لهكذا لعبة، وطن مقتول لا محالة. جربنا هذه اللعبة القذرة في الجزائر، وانتهينا إلى آلاف الضحايا والى جيل مصدوم، فليحفظ المصريون الدرس الجزائري، وليحفظ الله مصر من كل سوء.