دأبت جرائد بعينها وقنوات ربما تابعة لها، وشخصيات تدّعي الوطنية والعمومية في طرحها، على تقديم ”التائبين” من الإرهابيين ومن مشائخ الفتنة الذين كالوا الناس الوبال، وأوصلوهم الخبال وأوزعوا الفتاوى فيهم حتى الهبال وسكنوا البوادي، وروعوا الرعاة في الجبال.. فإلى الآن والناس منهم في وساوس وأمراض، والعوائل في نكسة وسوء حال، إلا أن العيب صار مشتركا بين ”من لم يستح على عرضه” ويمسك لسانه وليسعه بيته، مصداقا للسنة التي يدعو، وللسفلية التي يدّعي، فالأحرى به جرأة وقوة شكيمة أن لا يرينا رسم قيمة ولا صورة لهيئة، إنما اختباء وراء ”عجار”، لأن لا تراه حتى البهيمة فتتوجس منه ”الدشرة” خيفة ذلك. العيب ليس على هؤلاء ”التائبين” الذين لم يتوبوا إلى اللّه وينوبوا، إنما إلى سلطان كانت رجعتهم، وإلى حاكم كانت أوبتهم، فلن يراعوا فينا إلاًّ ولا ذمة. اليوم انكشف الغطاء وصاروا شركاء لهذه الصحافة البخسة وهذه العناوين التعسة.. من حسن الأدب الحياء بالمعصية، فمن لم يجد في قلبه وخزة، وفي دمه ركزة وفي صدره نكزة، لما أجرم وأساء في حق اللّه والعباد، فعليه الاستتار لا الابتدار بتصريح صريح وظهور مبيح مفسد ومغير لكل ذكرى، حسب جريح أو صاحب قريح، أو ثكلى لا زالت تؤزّها الذكرى أزّا، إنما ليس العيب على الأحمق إذا ما صرح وقرح وجرح في السياسة والرجال يُطيح، إنما العيب على هذه الجرائد الخاسرة، وهذه التلفزات القاهرة التي تسيء لنا بظهورهم وتشتمنا بذكرهم وتقسمنا بنفورهم، فإلى أي غاية هي ذاهبة، وإلى أي هدف هي صائبة، فبغياتهم عرفناها تلطيخ ما صفي من يوم بما عاب من جو فماهم في حقيقة الأمر، إلا أصحاب ”نهيق وعوْ، وجب إخفاء وجوههم أو تركها ليصب عليها ”النوّ” علّها تصلح لما سيأتي استحمالا واستعمالا لما يريد الهو.. لكن كما قلت سابقا ربما هي إشارة من المتخفي المهماز اللماز لا إلى هذه الصحافة، إنما إلى هؤلاء التائبين، فعملهم وتصريحاتهم وخروجهم وظهورهم وقعودهم وتوبتهم إليه لا إلى اللّه كما سبق وعرفنا فأرجأهم هذا السلطان العقاب ليوم الحساب يوم لا تنفع فيه توبة لحكومة ولا خدمة لمن ليس بيده الأمر والنوبة.. فما الذي جمع إرهابيين سابقين ويصرحون ويثرثرون بإصرار، وحرص على أنهم أصحاب رسالة يمشون بها ختالة، وعلى الناس السكوت أو الاستمالة لجرائد فتانة، ولسيد الأمر سيارة نيارة ربما وجودها في حد ذاته، بيد هؤلاء أمرا وجبرا وقوالة.. مسكين هذا الشعب الذي يقاد بالخيالة وراقصات الحي المدعيات البتالة.. إذن ربما بدأت تتضح الصورة جليا للملاحظ على ما تقوم به هذه الوسائط الإعلامية من جرائد وقنوات، وتزكيتها للتفاهة ولتلميعها للخردة من الإرهابيين الذين كالوا الناس العذاب وما تجنييها وتوزيقها لهذه الصور الباهتة والمقززة ما هو إلا عمل ورسالة تمخضت عن اتفاق كم من طرف يمتص دم وعناء هذا الشعب المغبون، فما هي جدوى أن تقصفنا هذه القنوات بهذه الأصوات المدوية في خواء فكر وسوء نية وشين عمل، كلما سنحت لها فرصة لذلك، وكأن رجال الفكر والسياسة قد اضمحلوا من المشهد العام الوطني، ولم يبق أمامها غير هؤلاء المبتذلين الذين يهرعون لها كلما دعتهم، فإلى أين وإلى أي غاية نحن ذاهبون بهذا الاستهتار وهذا النفوق الفكري، وهي عادة تصطنع الفكر والثقافة، واستنادها على كم من وجه وكم من أستاذ خطيب لتلمع لنا المشهد قليلا كي نسكت على تفاهاتها اليومية، والتي صارت تتقزز منها الأنفس وتعافها العقول السليمة، فهل من الإعلام ومن واجبات الاتصال أن تصرعنا بهذه الصور وهذه التصاريح الممجوجة وهذه الخردة من بقايا الجماعات التي لم تقاتل السلطة أبدا، إنما راحت تطيح بالجماهير العريضة من سكان البوادي والأحراش هنا وهناك من البلاد الواسعة العميقة، اللهم تطبيق أجندة الولي الصالح الذي لم يترك الكرسي، إنما تزحزح قليلا ليرى المشهد عن وضوح، ويتفرس عمل جنوده اليوم وهم يهرعون خدمة لبقائه، وإن في ساحة جديدة، ساحة الإعلام الذي صار يمشي الخطى حثيثا ليبرمجنا على قبول أخطاء وعثرات الآخرين قسرا وجبرا، لا مهادنة فيها بل انصياعا لما تبثه هذه الآلة الجهنمية التي حسن له استخدامها ورقيا، والآن تبادر إلى استعمالها بالصورة والصوت ولا يعنيه رفضنا ولا استهجاننا، إنما بقاؤه وارتكازه على هؤلاء وهذه الأبواق العفنة وهذه الأكشاك النتنة..!