مباشرة بعد الإعلان عن القائمة الاسمية للمستفيدين من حصة 638 وحدة سكنية اجتماعية ببوسعادة، في ولاية المسيلة، بداية الأسبوع، دخل موظفو الدائرة والبلدية في عطلة مدفوعة الأجر وضاعت مصالح المواطنين، وفُرضت حراسة مشددة من قِبل وحدات مكافحة الشغب لحماية الممتلكات ورئيس الدائرة، وهو ما يؤكد الخوف والرعب الذي يتملّك المسؤولين. وجد المواطنون ببوسعادة الفرصة مواتية لفضح ممارسات طالما نددوا بها وراسلوا السلطات المعنية بشأنها لكنها تركت الحبل على الغارب، وهو ما أجّج الوضع وزاد في غضب المواطنين المقصين من السكن، إذ لم يتردد بعض الغاضبين في وصف موظفين من دائرة بوسعادة متورطين في ”مهزلة ملف السكن” ب«عصابة الفساد”، بدليل عدم تغيير فرق التحقيق في السكن منذ 9 سنوات، وإصرار الإدارة على ترقية أعوان إدارة منتدبين من بلديات مجاورة ليشرفوا على ملف ”السكن”، حتى تحوّل السائقون والحراس إلى ”البزنسة في السكنات” في ظل ضعف الإدارة الذي ساعد في تعفن الوضع. دعارة وإرهاب ومخدرات بشقق حديثة التوزيع وكانت الأجهزة الأمنية في وقت سابق قد كشفت عن خلية إرهابية يقودها إرهابي معروف يستغل إحدى الشقق بحي بن دقموس، كان ومجموعته بصدد التحضير للقيام بعمليات إرهابية بالمنطقة، وتم توقيفه بعد أن وجدت بحوزته قطعة سلاح من نوع كلاشنيكوف وقارورات غاز معدة للانفجار وذخيرة حية. كما تمكنت مؤخرا مصالح الشرطة من وضع حدّ لشبكة دعارة تتكون من 11 امرأة بإحدى الشقق بحي 200 مسكن، تستغل في استقطاب أشخاص غرباء من أجل ممارسة الدعارة، كما أصبحت بعض الشقق تستغل في الترويج للمخدرات والممنوعات وغيرها. وأكد مصدر من ديوان الترقية والتسيير العقاري أن نسبة كبيرة من السكنات، قدّرها بحوالي ربع الحظيرة السكنية بالمدينة، يتم تأجيرها أو بيعها من قِبل المستفيدين الأصليين، وهو ما وصفه ب«التحايل”، وأن بعض السكنات يتم تأجيرها لعزاب أو من يستغلونها في أعمال غير أخلاقية. ومع انتشار هذه الظاهرة، عاد الجدل حول من المسؤول عن توزيع السكنات على من لا يستحقها، ومن يجب التحقيق معه في هذا الشأن، بدءا من لجنة السكن إلى المستفيد نفسه. وحسب مقصين من توزيع السكنات الأخيرة فإن ”ما تم اكتشافه لا يترجم واقع الحال، وما خفي كان أعظم”.
موظفو الدائرة ورؤساء جمعيات وإداريون يتحكمون في التوزيع وفي حديث مع بعض المهتمين بملف السكن، وعددهم كبير في بوسعادة، فإن القائمة المفرج عنها هذا الأسبوع، إن لم يكن لها مبرر للإلغاء، فيكفيها مبرر نسبة المستفيدين الأقل من 35 سنة التي لم تتجاوز ال26 بالمائة، بينما القانون يحدد نسبة ال40 بالمائة، فضلا على أن ما يقارب ال100 مستفيد تجاوز سنهم ال36 سنة أدرجوا في القائمة ضمن فئة الأقل من 35 سنة. كما كشفت القائمة استفادة أخوين من عائلة واحدة في أكثر من حالة، وهو ما يعدّ تجاوزا، إلى جانب ما يتم تداوله في الشارع من قصص خيالية أبطالها موظفون في الدائرة ورؤساء بعض الجمعيات وإداريون يتحكمون في التوزيع، فابن أحد السائقين استفاد رغم علم رئيس الدائرة بملكيته لقطعة أرض، وزوج إحدى السكرتيرات تحصّل على سكن اجتماعي رغم أنه موظف ويتقاضى أكثر من 24 ألف دينار. وكشف لنا مصدر من الدائرة أن أحد الموظفين استفاد جميع أفراد عائلته من سكنات، حتى ابنه الأعزب، وذلك بفضل ”نفوذه”، وأحد أعضاء لجان التحقيق، بعد أن استفادت عائلته بأكملها، جاء الدور على الجيران والأحباب والأصهار، وأخذت مجموعة ”حمس” حصة للأقارب والأهل، وحتى من توصف ب«مدام دليلة” استفاد 10 أشخاص من عائلتها، رغم أنها مجرد محققة في السكن ومنتدبة من بلدية مجاورة، إلى جانب التحايل في التصريح بالراتب أو الإقامة. واستطاع أحد الموظفين من أصحاب السوابق أن يتحصل على سكن لأخيه ”المختل ذهنيا” ومحجور عليه في حصة سابقة، ولم يحرك رئيس الدائرة ساكنا. ولم يتردد البعض في فضح ممارسات يندى لها الجبين من قِبل مسؤولين في الدائرة، خصوصا في عهد رئيس الدائرة السابق المكلف والمتابع في قضية سرقة محافظ التضامن المدرسي رهن التحقيق. وكان مصدر أمني قد صرح سابقا بخصوص الحصة السابقة أنه تم استثناء 49 مستفيدا ممن تضمنتهم القائمة، إلى حين انتهاء التحقيق الأمني الذي باشرته عناصر الأمن بناء على تعليمة نيابة عن وكيل الجمهورية لدى محكمة بوسعادة، نظرا لوجود شبهات حول كشوف الرواتب وشهادات الإقامة لأولئك المستفيدين، ولم يعرف أحد مصير التحقيقات حول الرواتب وشهادات الإقامة، غير استفادة الجميع وتمرير القائمة بأكملها دون محاسبة أو معاقبة أحد. المشكل نفسه يتكرر مع حصة 638 مسكن الأخيرة، حيث تحايل البعض في ذكر اللقب العائلي لأقاربهم، والتصريح الكاذب بالإقامة وتواريخ الميلاد وحتى أرقام الملفات، لتتحصل عائلة ”ع” مثلا على 16 استفادة. هذه التجاوزات رغم أنها تخالف القانون إلا أن القائمين على هذا الملف جميعهم متورط والجميع ”أخذ نصيبه من الطورطة”. فمن يحاسب من؟
الأولوية للمحتجين والمعتصمين في الحصول على سكن حملت قائمة المستفيدين من السكن الاجتماعي، محل الاحتجاج العارم في بوسعادة هذه الأيام، حسب البعض ”أسماء أغلب الذين شاركوا في الاحتجاجات والاعتصامات، وهاجموا الدائرة ومصالحها عبر الفايسبوك، وكذا موظفين من الدائرة وأبنائهم”، وهي، يقول الرافضون لهذه الطرق المشبوهة في التوزيع، محاولة لتكميم الأفواه وشراء الذمم. وتواجه القائمة الحالية احتجاجات متكررة من المواطنين المقصين بمقر الدائرة، مطالبين بضرورة إعادة النظر في القائمة الاسمية للمستفيدين. وقال أحد المقصين إنه منذ 13 سنة يروح ويجيء من أجل الحصول على سكن يراه حقه، وأن ”رئيس الدائرة المكلف السابق هو الذي تلاعب بالملف، واستفاد البزناسة وأصحاب النفوذ والخلاطة”.
طرق ”شيطانية” لتمرير القائمة ”المهزلة” عند لقائنا ببعض الشباب الذين يرابطون يوميا عند مقر الدائرة، من أجل لقاء الرئيس والاستماع إلى أسباب إقصائهم رغم وجود أشخاص ليس لهم الحق أصلا في السكن، أكدوا لنا أنهم ”فاقوا” للطرق ”الشيطانية” التي تتعمدها اللجنة و«مافيا” السكن، حيث يتم تحريض بعض المستفيدين من السكن لتفريق المحتجين ودسّهم داخل الجموع المحتشدة وإثارة الفوضى والشكوك في صفوف الرافضين لقائمة ال638 مسكن المفرج عنها هذا الأسبوع، واستغلال أرقام ملفات قديمة لموتى أو مستفيدين من السكن في حصص سابقة ليتم استغلالها لبعض الأقارب والأصحاب.
سكان المدينة القديمة.. معاناة عمرها سنين كلما أثير ملف السكن الاجتماعي، يُطرح مشكل سكان المدينة العتيقة، الذين تجاوز عددهم عُشر سكان بوسعادة، لكنه في كل مرة يسقطون عمدا من قائمة المستفيدين إلا ”من رحم ربك”، رغم وجود حوالي 400 مسكن بالمدينة العتيقة مهدد بالانهيار من بين أكثر من 700 مسكن مشغول. ويعاني سكانها البالغ تعدادهم 11 ألف نسمة، أي 10 بالمائة من سكان بوسعادة، من غياب الكثير من ضروريات الحياة كالتوصيل بالمياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي والتهيئة عموما. ويطالب المعنيون في كل مرة المسؤولين بمنحهم سكنات اجتماعية إيجاريه محترمة، كون بيوتهم لا تتوفر على أدنى الشروط الصحية، وتدهور حالة بنائها المهدد بالسقوط بسبب التشققات الكثيرة، والتي تثبتها محاضر معاينات أنجزتها هيئات رسمية كالبلدية وفرع التعمير والبناء والحماية المدنية عمرها سنوات، تؤكد على ضرورة الإخلاء الفوري للسكنات بالنظر للخطر الذي تشكّله على سكانها وعلى المواطنين عموما، لكنهم دائما يسقطون من حسابات لجان التوزيع لأسباب يعرفها سكان المدينة، ويجهرون بها علنا ”إننا لا نملك المال ولا المعارف”، وردد على مسامعنا أحد الشيوخ وهو يسكن المدينة منذ 20 سنة ”حسبنا اللّه ونعم الوكيل، حسبنا اللّه ونعم الوكيل”. زيارة قادتنا لإحدى العائلات التي تسكن منزلا منذ 30 سنة مساحته 70 مترا مربعا في وسط المدينة، وتضم ثلاث عائلات ب15 فردا، رغم الوعود التي قطعها المسؤولون لهم والمحاضر المقدّمة لهم إلا أنهم سقطوا من حساب من تحكموا في رقاب العباد في سنوات الجمر ولا يزالون بمباركة الإدارة.
مفتش الولاية يدرس ويوزّع.. ورئيس الدائرة يصادق ويعلّق ربما لا يحدث إلا في بوسعادة أن يخلف رئيس دائرة مفتشا بالولاية بدل رئيس دائرة آخر، كما جرت العادة، ووجه الغرابة أن الرئيس المكلف خلف الرئيس المعيّن الذي كان في عطلة مرضية لمدة 6 أشهر، وسمح له دراسة وتوزيع ما يزيد عن 600 مسكن اجتماعي، بالطريقة التي أرادها مع أن العملية من صلاحيات رئيس دائرة ”ومفتش ليس مؤهلا لها بحسب ما يتداوله بعض الإداريين”، أحدهم لم يجد تعليق غير ”أنه لعب أطفال”. المطالبة بلجنة تحقيق.. و«سلال خدعنا” على إثر تعليق القائمة الاسمية للمستفيدين اعتلى 15 شخصا من المقصين عمارات بحي 5 جويلية بطريق الجزائر مهددين بالانتحار، ورفضوا أي حوار مع أعوان الأمن والحماية المدنية، بينما احتلت 12 عائلة مع أطفال رضع وصغار، في مشهد مخجل، مساحة شاغرة بجانب الطريق الاجتنابي، مطالبين إما بالحصول على سكن أو الاستيلاء على المساحة، ولم يتردد رب إحدى العائلات في التهديد بحرق نفسه إذا مُنع من تحقيق مطلبه، وتلا علينا الكثير من الشباب قائمة طويلة لأسماء مستفيدين، وصلة قرابتهم بالكثير من الإداريين ولجان التحقيق وحتى حراس وسائقي رئيس الدائرة، ما جعل الجميع يرددون ”نريد لجان تحقيق”، و«يا سلال خدعتنا.. العدالة ماكانش.. البلاد باعوها”، وهي عبارات تترجم حدّة الغضب والبركان الذي يتأجج داخل النفوس والخوف أن ينفجر يوما.. فمن سيتحمّل المسؤولية، والجميع يعتقد أن ”المواطن البوسعادي غبي.. سرعان ما تهدأ ناره ويعود لمعايشة معاناته اليومية التي ألفها، كما حدث مع الحصص السابقة”.