يُعلّمنا القرآن الكريم أنّ الكلّ مسؤول عن عمله “فَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”، ويأمرنا أن نتحاكم إلى الله ورسوله في منازعاتنا لا إلى الطّاغوت، قال سبحانه: “إنَّمَا كَانَ قَولُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولَهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون” النُّور51. فما بالنا عن المسلمين اليوم، نتحاكم إلى أعداء الإنسانية ونرضى بما قرّروه من أجلنا وما خطّطوه لنا، ونعتقد بسذاجة عقولنا أنّ الأحسن لنا ما استحسنوه والقبيح ما استقبحوه. يقول جلّ ذكره: “الّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمُ إلَيْهِ رَاجِعُون” البقرة:46 ، هذه إشارة لطيفة من ربّ العزّة إلى أنّ المسلم في إدارته يخشى الله ويعلم أنّ الله يُراقبه في عمله ويعلم أنّه ملاق ربّه وأنّه راجع إليه.. وعلى ضوء ذلك يتصرّف بأمانة وصدق وجدّ ومثابرة، وهذا ما خلق لدى المسلم نوعًا من الرّقابة الذّاتية مواضع عديدة نرى فيها ونلمس أثر القرآن الكريم في سمو الفكر الإداري الإسلامي وميزات الإدارة الإسلامية عمّا عداها من الإدارات الّتي تستند وتركّز إلى نظم وضعية. يقول سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: “يَا بَنِي أدَمَ إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي، فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} الأعراف35. اتّق الله في كلّ عمل تقوم به وأصلح.. وأيّ شيء أروع من الإصلاح. الإصلاح في كلّ شأن من شؤون الدّين والدّنيا. كلّ إصلاح يتلاءم مع شريعة الله يدخل في نطاق هذا الإصلاح المأمور به ابن آدم. ويقول عزّ وجلّ: “وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحكم وَاصْبِر إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين” الأنفال 46، ماذا لو استمع المسلمون اليوم لهذا التّوجيه الإسلامي الرّبّاني الكريم، وماذا لو فعلت الإدارات في الدول الإسلامية به؟ وعلى أيّ حال سيَصبح وضع العالم الإسلامي وأحوال المسلمين؟ إنّنا وللأسف نحن المسلمون لم نتمسّك بذلك، تنازعنا فذهبت ريحنا وأصبحنا مطمَع كلّ مطامع ومحل تجارب واستيراد كلّ ما يريده الغرب أو الشّرق من فكرة واقتصاد وسياسة وإدارة وضياع وتمزّق. أيّ دين كالإسلام يحثّ على العمل للدّنيا والآخرة، وأيّ دين يكرّم العامل والعاملين ويعدهم بالجنّة والفوز الكبير إن عملوا العمل الصّالح؟