تنتهي اليوم، في منتصف الليل، الحملة الانتخابية لاستحقاق 17 أفريل، بعد 21 يوما قضاها المترشحون وممثلوهم في احتكاك مع المواطن.. احتكاك لم يكن عاديا، ولم يشبه، بتاتا، ذلك الذي كان يحصل في حملات الاستحقاقات الماضية، حيث أظهرت الدعاية الانتخابية ليوم 17 أفريل الموعود "تميزا" على كافة الأصعدة. التاريخ سيسجل مجرى حملة انتخابية “غريبة”، غرابة “العهدة الرابعة” لرئيس مترشح لم يخاطب شعبه طيلة 21 يوما، وكلف من ينوب عنه لتنشيط حملة كان بوتفليقة يريدها مكسبا جديدا له، يقنع من خلالها شعبه بقدرته على قيادة البلاد فترة أخرى، وإذا ب”السبعة” الذين تكفلوا بالمهمة تكفلوا بها بما جعل الأمور تسير بمنطق عكسي، أنتج في النهاية، وفي الكثير من الولايات، نزعة نبذ ونفور في الشارع، احتار أنصار وكلاء الرئيس كيف يتعاملون معها. الرئيس، في النهاية، لم يستطع القيام بحملته بنفسه، ومن ناب عنه لم يستطع القيام بها في أريحية، رغم توفر المال والوسائل. والمفاجأة التي تحدّث عنها مدير حملته، عبد المالك سلال، قبل يوم من بدء الحملة، من أنه يمكن أن يخرج بوتفليقة في خطاب للشعب خلال الحملة، صارت مفاجأة لاغية. وإذا ما دققنا في مواقف معارضي العهدة الرابعة في الشارع، فإن عدم ظهور الرئيس في الحملة قد أجج الشعور باستخفاف عقول الجزائريين، وهو مثلما يرى خبير علم الاجتماع، ناصر جابي، بمثابة “عنف رمزي” أنتج عنفا آخر كردّ فعل، وباتت أحداث العنف في هذه الحملة، وحملات مطاردة وكلاء الرئيس من التجمعات سمتها الأولى، خاصة ما حدث في بجاية السبت الماضي، وهي النقطة السوداء الأولى التي يذكر بها التاريخ حملة انتخابات 2014 وقصة “الرئيس المريض والوكلاء السبعة”. هذه القصة أفرزت، ميدانيا، اختزالا للصراع بين مترشحين اثنين، يوما بعد يوم. وهناك من يرى أن الاختزال، على نمط قطبية ثنائية، جعل من بوتفليقة وبن فليس متنافسين لوحدهما في ساحة العراك الانتخابي، وراءها “فعل فاعل”، عمل على إقصاء أربعة مترشحين آخرين، هم لويزة حنون وموسى تواتي وعبد العزيز بلعيد وعلي فوزي رباعين، ولم تشته حنون هذه القطبية التي بدأت قبل بدء الحملة الانتخابية، بشكل قدم اجتهادا يفيد بأن بن فليس مرشح مقارع لبوتفليقة، وهذه المقارعة قد تزجّ بالبلاد في أتون فوضى عندما لا يقبل أي خاسر منهما نتائج الانتخابات. وقياسا بما كان يطرح في الأيام الأخيرة قبل الحملة لم يخض المترشحون بإمعان في ملفات ثقيلة، أو أنهم لم يوفوها حقها من الجدال، وأبرزها ملف الفساد وملف المصالحة الوطنية، وملف دور الجيش واستقلالية العدالة، كما يرى الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، في حديثه ل”الخبر”، بينما يعتبر المتحدث أن “المقاطعين ظهروا أنهم اتفقوا فقط على المقاطعة، دونما التوصل إلى أرضية عمل لما بعد 17 أفريل”. وخاض المترشحون في مسألة تعديل الدستور، لكن ليس بالنسق نفسه الذي كان قبل الحملة، و”جوهر الإصلاحات”، كما وصفه الرئيس بوتفليقة عام 2011، دهسته أرجل “العهدة الرابعة” التي ابتلعت كل الاهتمامات. لكن خلف السطحية التي تم بموجبها تناول تعديل الدستور، كانت تساؤلات تُطرح في كواليس الحملة “هل سيكون هناك منصب نائب الرئيس؟ ومن سيحظى به يا ترى؟”. حملة الرئاسيات أبرزت ذلك بجلاء، كما لو أنها تأثرت فعلا بسياق خطابي انزوى إلى طرحين متناقضين حول إشكالية واحدة هي “التدخل الأجنبي”، بين فريقين: أحدهما يحذر من الأيادي الأجنبية ويتهم الآخر بالعمالة، والآخر يردّ “الصاع صاعين” ويتهم السلطة، ممثلة في رئيسها المترشح، برفع الفزاعة الأمنية عاليا، سعيا إلى تكريس فكرة “الاستمرار في الاستقرار”، بما يظهر بوتفليقة وحده من يجنّب البلاد هاوية النار. ويبدو أن الحملة التي بنيت على هذا المعطى قد نجحت إلى حدّ ما، مثلما يعتقد الوزير الأسبق للاتصال، عبد العزيز رحابي.. كما أن تغييب ملف علاقة “دور الجيش” في حملة الرئاسيات ظهر بشكل يوحي بغلق مرحلي لما أشيع من صراع بين الرئيس بوتفليقة والجنرال محمد مدين. لكن خلف هذا الغلق، تساؤلات مازالت مطروحة حيال “كيف حسم توفيق موقفه؟”؛ موقف كبيرهم، الذي وحده تعلّم “سحر البقاء” ولم يعلّمه لغيره من جنرالات التقاعد. بوشرت حملة رئاسيات 2014 وقد اختمرت فكرة “العهدة الرابعة” في الأذهان كواقع هناك من يريد فرضه، فتحوّلت خطابات المترشحين الستة من عرض البرامج والأفكار إلى التنابز بالألقاب، وعرفت الحملة، بداية من أسبوعها الثاني، تصعيدا لافتا وخطيرا وغير مسبوق، بالنزوع إلى العنف على وتر رفض “رابعة بوتفليقة”، بينما قوبلت هذه الموجة بردود فعل “بالأفعال”.. ردود أظهرت تصميم أنصار الرئيس المترشح على نسق تصعيدي، باستغلال وسائل الدولة ودور وزراء ينشّطون الحملة لصالح بوتفليقة ويتقاضون أجورهم من الخزينة العمومية، واستخدام وسائل الدولة في الدعاية لمسعى “الاستمرارية”، في مشهد غير متكافئ، على جانبه الآخر يقبع خمسة مترشحين بإمكانيات شحيحة، في مواجهة سبعة من كبار أعوان السلطة، في خدمة المرشح السادس.. هو مشهد وحده كان كفيلا ب”تشبيع” الشباب شحنة زائدة من غضب أنتجت احتقانا خطيرا. والى غاية أمس، فصلت اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات في 167 إخطار، وأغلب الإخطارات تخص تجاوزات أنصار حملة الرئيس المترشح، في حملة “تمزيق الملصقات” والتجاوزات القانونية وحملة “العنف اللفظي” وخطابات” خط اللارجعة” و”استغلال وسائل الدولة”. وتميزت الحملة كذلك بعدم ظهور دور اللجنة السياسية للمراقبة ولجنة الإشراف، مقارنة مع دورها “ظاهريا على الأقل” في تشريعيات 10 ماي 2012، من حيث تواصل مسؤوليها مع وسائل الإعلام والكشف عن طبيعة التجاوزات دوريا، وانزوى دور اللجنتين تلقائيا أمام الآلة الكاسحة لأنصار الرئيس الذين يريدونه باقيا في الحكم، لكن هذا لا يمنع من القول إن اللجان المختصة بالانتخابات صارت هيئات ل”الترقية”، تماما كما رقّي سليمان بودي، رئيس لجنة الإشراف القضائي في تشريعيات 10 ماي 2012، رئيسا للمحكمة العليا.