على سيمفونية عنوانها “‘وان تو ثري فيفا لالجيري”، عزفت جماهير الكرة العربية والجزائرية الفرحة بسقوط الدب القطبي الروسي أمام محاربي الصحراء في أرضية ملعب “أرينا دي بايكسادا” في كوريتيبا البرازيلية، وعلى نبض واحد تحركت قلوبهم عند صافرة النهاية، فأطلقوا صرخة واحدة زلزلت الأجواء، وتردد صداها من الجزائر إلى كل قطر ينطق بحرف الضاد. جمع “الخضر” باستماتتهم في الدفاع عن حظوظهم في تحقيق تأهل تاريخي إلى الدور الثاني، الجماهير العربية أينما كانت تحت راية الجزائر، ممثل العرب الوحيد في الحدث الكروي الأهم في العالم. ومثلما حبس هدف الكسندر كوكورين في شباك مبولحي أنفاس الجزائريين، أسالت كرته العرق البارد للتوانسة، وأدخلت الشك في قلوب المصريين مثلما أرعبت الأردنيين والفلسطينيين، قبل أن يفجر هدف سليماني حناجر اللبنانيين والإماراتيين والقطريين وكل الشعوب العربية. الفلسطينيون.. كلنا جزائريون الفلسطينيون حافظوا على تقاليدهم وتابعوا المباراة وأيديهم على قلوبهم، وفضّل الكثير من أبناء غزة مشاهدتها جماعيا في المقاهي التي زينتها الراية الجزائرية، وشعارهم في ذلك “كلنا فلسطينيون لكن في المونديال كلنا جزائريون”، معتبرين أن هذا أقل ما يمكن تقديمه للجزائريين الذين حملوا الراية الفلسطينية في بلاد السامبا. وما إن ترسّم تأهل الجزائر على حساب الروس حتى هرعوا إلى الشوارع حاملين الراية الجزائرية والفلسطينية جنبا إلى جانب، وهم يهتفون بحياة “الخضر” ومسجل هدف التأهل إسلام سليماني. وعلى الطريقة الجزائرية ردد الفلسطينيون “وان. تو. ثري فيفا لالجيري”، وهتفوا أيضا بكلمات أغنية فلسطينية قدمتها فرقة فلسطينية خصيصا ل”الخضر” في المونديال. وفي الجارة تونس، اهتز شارع بورڤيبة وأشعلت الألعاب النارية ما إن أعلن الحكم نهاية المواجهة. وتابع التوانسة المباراة على أعصابهم واهتزوا على تعليقات مواطنهم الشوالي، قبل أن تنفجر حناجرهم مهللة بالفوز. وأظهرت فيديوهات تدفق الجماهير الكروية في تونس إلى الشوارع للاحتفال بإنجاز “الخضر”، ممثلهم في المونديال، حاملين الراية الجزائريةوالتونسية. في الأردن أيضا، فجّر هدف سليماني في مرمى الحارس الروسي أكينفيف سكون العاصمة عمان، ومباشرة بعد انتهاء اللقاء هب الأردنيون إلى الشوارع حاملين الراية الجزائرية وهم يحتفون بأسماء لاعبي كتيبة وحيد حاليلوزيتش. اللبنانيون أيضا خرجوا إلى الشوارع مدعومين بالجالية السورية التي شجعت منتخب “القلب” وابتهجت بإقصاء روسيا حليف نظام الأسد. مصر تهلل.. تحيا الجزائر ولم يختلف الأمر في مصر الغائبة عن المونديال، المصريون غزوا المقاهي لمتابعة المواجهة الجزائرية الروسية التي كانت نهائيا حقيقيا، وكانوا جنبا إلى جنب مع العائلات الجزائرية. وفي مشهد محا كل ذكريات النقمة المصرية غداة موقعة أم درمان، اهتز المصريون في وثبة رجل واحد وهم يقفون على استماتة أبطالنا لتوقيع اسم الجزائر لأول مرة في الدور الثاني من أهم حدث كروي عالمي، فغنى المصريون ورقصوا وهتفوا باسم الجزائر إلى الصباح مثلهم مثل الجزائريين، بعد أن استجابوا لحملة “شجع الجزائر” على “الفايسبوك”. في قطر والإمارات لم يختلف الوضع، عاش الجزائريون والجالية العربية هناك ليلة بيضاء. فبدبي التي انتهت بها المقابلة في الثانية صباحا، أبعد الإنجاز التاريخي ل”الخضر” النعاس عن عيون المقيمين في نيويورك العرب، حيث جاب الجزائريون وأشقاؤنا العرب من كل الجنسيات شوارع المدينة وهم يهتفون بتميمة الفوز “وان تو ثري فيفا لالجيري”، الأمر نفسه في العاصمة القطريةالدوحة. وفي أوروبا لم يكن المشهد مختلفا عن أي شارع جزائري، من باريس إلى مارسيليا وإسبانيا وغيرها من العواصم الأوروبية، وإن كان هذا المشهد عاديا ومتوقعا هناك، فأنصار “الخضر” متواجدون في كل مكان مدعومين بالجالية العربية، وتحدثت أنباء عن احتفالات في الشيشان بهجة بفوز الجزائر المسلمة على الدب الروسي، العدو الأول للشعب الشيشاني المسلم. في انتظار إنجاز تاريخي آخر أمام “المانشافت” يطوي صفحة جيل 1982 ويوقّع بداية لجيل جديد قد يعيد كتابة التاريخ، ينتظر منه الجزائريون أن يقف الند للند مع تشكيلة الماكينات الألمانية التي لن تستهين بالتأكيد بمنتخب بلد عبث بهم قبل 32 سنة، وقد يقود “القلب” الكتيبة الخضراء إلى إسالة العرق البارد للألمان مرة أخرى.