بعد مرور 4 سنوات على أخطر جريمة قتل تشهدها مدينة سطيف، عادت “الخبر” بذاكرتها إلى ذلك اليوم المجنون، حاولنا التنقل إلى منزل المتهم الذي سقط ضحاياه على يد أقرب الناس إليهم، لكن جيران الجاني والضحايا نصحونا بالتراجع عن الفكرة وأكدوا أن الجرح لم يندمل والبيت لا يزال يئن من ألم الذكرى، وطيف القاتل لا يزال ينتظر في كل غرفة نفذت فيها جرائم القتل، فالعاقل لا يمكن أن يفكر في قتل حيوان، فكيف بشاب لم يتجاوز 17 من العمر يقتل أمه ثم أباه ثم أخته ثم يدخل شقيقيه غرفة الإنعاش. بدأت تفاصيل الجريمة سنة 2009 بحي أول نوفمبر 1954 أو ما يعرف بحي دالاس الشطر الأول، المتتبع لتفاصيلها يجزم أن الأمر غير طبيعي وأن الجريمة تم نسج خيوطها في أحد استوديوهات هوليوود على يد الشهير ألفريد هيتشكوك. دخل الشاب الهادئ والضعيف البنية “س.س” (17 سنة) إلى غرفة الوالد الذي تجاوز عتبة الستين ويشتغل بمصالح القباضة ببلدية سطيف، والشرر يتطاير من عينيه، ورغم ضعف الوالد المسكين الذي يعاني من أمراض كثيرة مثل السكري والقلب، لم يرحمه الابن الذي ترعرع في أكناف خيره، دون سابق إنذار أجهز عليه بواسطة قضيب حديدي يستعمل في عملية البناء، واستهدفت الضربة رأس الوالد فهشمه عن آخره، ثم تركه يتخبط وسط بركة من الدماء أغرقت محتويات الغرفة بالكامل حسبما ذكره أخ الضحية وعم المجرم الذي انهار وأغمي عليه بمجرد رؤيته المشهد. ثم أغلق المجرم الغرفة بإحكام، ونزل إلى الطابق السفلي للمنزل، ليواصل جريمته في حق أقرب الناس إليه، تقدم إلى أمه التي حملته في بطنها، ودون شفقة قام بضربها على رأسها بواسطة نفس القضيب الحديدي حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وكأنه يضرب جمادا من دون روح، وتعدى الأمر إلى أن وضع رأسها داخل بالوعة المياه بالحمام، أين كتم أنفاسها حتى يضمن موتها، ورغم أن المسكينة أبدت مقاومة كبيرة إلا أنها استسلمت لمصيرها المحتوم على يد فلذة كبدها. تتواصل عملية الإبادة المبرمجة للعائلة، حيث انتقل إلى أخته البالغة من العمر 31 سنة، وقام بضربها على مستوى الرقبة بنفس القضيب الحديدي إلى أن ماتت، بل وكاد يفصل الرأس عن الجسد بسبب شدة الضرب. بعد الضحية الثالثة فتحت شهية الابن المجرم للقتل، وبدا مصرا على إبادة العائلة عن بكرة أبيها، فترصد لشقيقيه خلف باب المنزل، وبمجرد دخول أخيه البالغ من العمر 25 سنة، ضربه على رأسه، لكن الله لم يشأ أن يلتحق بالضحايا، حيث تمكن من تسلق جدار الفناء وفر نحو المستشفى بمساعدة الجيران. وبعد دقائق من ذلك عاد الشقيق الآخر الذي لم يتجاوز هو الآخر 27 سنة، حاملا بيده علبة حلوى، نادى وهو في وسط الفناء على شقيقته حتى تحضر له كأسا من الحليب، لكنه تفاجأ بالدم المتطاير على الجدار، قبل أن يجهز عليه المجرم بقضيب حديدي أصابه به عدة مرات، لكنه تمكن من الفرار وذهب مباشرة إلى أبناء خالته بحي طنجة القديم وهو تحت وقع الصدمة. محاولة هروب يائسة خرج الجاني بكل برودة أعصاب من المنزل وتوجه إلى العيادة المجاورة للبيت وطلب سيارة إسعاف على أساس أن والدته مريضة، مستعملا في ذلك هاتف والده الشخصي، وانتقل بعدها إلى حي 1014 مسكن حيث ذهب لإحاطة جراحه بالمركز الصحي هناك، لكن مصالح الأمن وبعد ترصد للمكالمة تمكنت من القبض عليه في ساعة متأخرة بحي “فرماتو” عند المدخل الشرقي لمدينة سطيف. “الخبر” تنقلت حينها إلى الحي وتحدثت مع جيران العائلة ومعارفها، ورغم تضارب الروايات إلا أن الكل أجمع أن الوالد كان من أطيب الناس والأم تمتاز برزانة كبيرة وتهبّ لكل من يطلب مساعدتها، أما الجاني الصغير فأجمع أصدقاؤه على أنه يمتاز بهدوء كبير، ولم يتمكن من اجتياز عتبة شهادة التعليم المتوسط، ما جعله يفكر في الحرقة إلى إيطاليا، حيث طلب من والده مبلغا ماليا قصد السفر إلى ليبيا ومن ثم الحرقة إلى إيطاليا وهو ما رفضه الوالد.
داخل غرفة التحقيق بعد القبض عليه خضع السفاح لتحقيق معمق أشرف عليه المدير الولائي للأمن بنفسه قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية، حيث اعترف في البداية بأنه القاتل الفعلي للعائلة، وعرضت عليه صور الضحايا وعلى رأسهم والدته وأبوه، كان ينظر إلى تلك الصور بكل برودة وما لبثت أن نزلت دمعة باردة من عينه اليمنى، لا يمكن تفسيرها، هل هي ندم على الفعل أم اشتياق وحنين للأم والأب؟ هذه الاعترافات كانت تخوّل لمصالح الأمن تقديمه لوكيل الجمهورية، لكن المحققين ومن هول الفاجعة لم يصدقوا ما حدث، وراحوا يفترضون وجود أيادٍ أخرى في الجريمة، خاصة أن فرضية السرقة طرحت بقوة عندما تم القبض عليه بحي الشيخ العيفة أو ما يعرف ب “فرماتو” وبحوزته مبلغ مالي مهم والعديد من المجوهرات التي تعود للأم والأخت وكان قاصدا مدينة بجاية للهروب من فعلته، ومع هذا الطرح فإن البنية المورفولوجية للشاب جعلت المحققين في حيرة من أمرهم، فطوله لا يتعدى 165 سنتمتر ووزنه يقارب 60 كغ، وهو ما يجعل من الصعّب عليه قتل 3 من أفراد العائلة، مع العلم أن نظره ضعيف نسبيا بحكم أنه يضع نظارة طبية. من جهة أخرى، فقد قامت مصالح الأمن بإحضار أحد الإخوة الذين تعرضوا للاعتداء بعد أن تم إسعافه، هذا الأخير الذي يعتبر دليلا في حد ذاته ومن الممكن أنه رأى من ضربه من الخلف، حيث رشح العديد من المحققين، حسب معلومات من مصادر مقربة من التحقيق، فرضية وجود أطراف من خارج البيت ورّطت الشاب في القضية، مع احتمال أنهم أصدقاؤه، وقرروا الهجرة غير الشرعية معا بالذهاب إلى ليبيا ومن ثم الحرقة إلى إيطاليا. لكن افتقارهم للأموال اللازمة جعلهم يسطون على منزل المتهم بمساعدته طبعا، وعند إدراكهم بأن أمرهم انكشف أجهزوا على الجميع وفروا وتركوا الابن الأصغر للعائلة ليتحمل النتائج وحده.
الإعدام للجاني ساعة الحقيقة بمحكمة الجنايات بعد استجماع كل المعلومات والحقائق ومطابقة ما قاله المتهم مع أقوال وشهادات الجيران، تم إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء سطيف، حيث وجهت له ثلاث تهم خطيرة وهي قتل الأصول لإزهاقه روح والديه، القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد في حق أخته، والترصد ومحاولة القتل العمدي في حق شقيقيه. خلال الجلسة التي عرفت حضورا قياسيا للمواطنين، إلى جانب 20 شاهدا، أنكر المتهم كل التصريحات التي أدلى بها خلال مراحل التحقيق الأمني واعترافاته لدى مثوله أمام وكيل الجمهورية بمحكمة سطيف، متهما ذات الجهات بسوء المعاملة وتعرضه إلى الضرب للضغط عليه، مؤكدا أنه ارتاح فقط لقاضي التحقيق. وبدا المتهم في كامل قواه العقلية مدافعا عن نفسه من دون تقديم أي دليل يؤكد أقواله. الشهود من جهتهم أدلوا جميعا بتصريحات مطابقة لما جاء في مراحل التحقيق حسبما عايشوه خلال وقوع الجريمة. ومن الأسباب التي تطرق إليها الجاني والتي جعلته يرتكب الجريمة هو سوء معاملة والده له بعد رفضه منحه الأموال للهجرة إلى ليبيا واتهام والدته حتى في شرفها، وبعد الاستماع إلى الشهود طالب ممثل النيابة العامة بتسليط عقوبة الإعدام، وبعد المداولات نطقت المحكمة بحكمها القاضي بإعدام الجاني.
داخل مؤسسة إعادة التربية بالنظر إلى حجم الجريمة وردود فعلها، واصلنا ترصد الجاني حتى داخل السجن، وبقيت فرضيات كثيرة تدور في ذهننا، لماذا قد يقدم شاب هادئ الطباع على هذا النوع من الجرائم العنيفة، هل هي المخدرات، هل هو سوء المعاملة أو أمور أخرى؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها لأنه ببساطة واصل حياته في السجن بكل برودة، يروي أحد حراس السجن أن الجاني كان في بداية الأمر انطوائيا إلى حد بعيد، زيادة على أن معظم المساجين سمعوا بقصته، ما ولد نفورا منهم، ولم يخالطه أحد إلى غاية مرور أسابيع كثيرة، وكان يجلس أثناء فترات الراحة في الفناء وحيدا تائها في الكثير من المرات.
جنازة مهيبة ❊ جنازة ضحايا مجزرة حي دالاس بولاية سطيف التي نفّذت على يد الابن الأصغر كانت مهيبة، حيث رافق جثمان الأب والأم والبنت مئات المواطنين من أهل الضحايا وجيرانهم ومختلف الفعاليات الاجتماعية وحتى السياسية منها، تعبيرا عن تضامنهم مع العائلة التي كادت تباد عن آخرها. ورغم أن المشهد كان مهيبا للغاية، إلا أن عائلة الضحية منعت الجميع من أخذ أي صور تفاديا لأي تداعيات قد تؤثر على العائلة ككل، خاصة بعد أن تناولها من مختلف وسائل الإعلام وتداول أمور لم تقع، ما أخلط الأمور بين القيل والقال، حيث تم نسج الكثير من التكهنات التي تجعل من الحادثة فيلما مروعا دون النظر إلى الجانب الإنساني في القضية، وتوافد الكثير من سكان ولاية سطيف على منزل العائلة للاستفسار عن الأمر، ما جعلها في حرج كبير.
الجريمة تحت المجهر أستاذ علم الاجتماع الجنائي حشروف محمد “الإحساس بالإقصاء وراء الجريمة” يرى الباحث في علم الاجتماع الجنائي وعلم العقاب وأستاذ سوسيولوجيا العنف حشروف محمد، أن مرتكب جريمة القتل ضد والديه وشقيقته ضعيف الشخصية، فمجرد أن عرض عليه أصدقاؤه فكرة الهجرة إلى الخارج طالب والديه بتوفير المال لتحقيق حلمه، مرجحا فرضية إدمان السفاح لنوع قوي من المخدرات دفعه لإزهاق روح والديه. واعتبر الباحث في علم العقاب أن الإحساس بالإقصاء وغياب الهدف وعدم مدح الأولاد ينعكس بشكل سلبي على نفسيتهم، وجعل منهم أشخاصا متمردين لا يفكرون إلا في الانتقام حتى من الأشخاص المحيطين بهم بمن فيهم الوالدان. ويشير محدثنا في تحليله لملابسات الجريمة إلى رفض العائلة منح المال لابنهم دون مراعاة حالته النفسية وعدم إقامة جسور التواصل معه، ما ولد لديه كراهية وحقدا كبيرين تجاه كل أفراد أسرته، معتبرا إياهم الجدار الذي سيمنعه من تحقيق حلم الهجرة، وبالتالي الانتقام من الجميع. وبخصوص اتهام الجاني لأمه في شرفها، اعتبره المختص ترجمة لنشأة الجاني على مشاهد العنف بين والديه، وهو ما يحط من قيمتهم لدى الأبناء. أنشر على