إذا سألت أي شخص عن الرياضة، من حيث أهميتها في حياتنا، ما وجدت أحدا ينكر ذلك، بل يعترف بفضلها الإيجابي على أجسادنا ونفوسنا، ويعطيك سيلا عارما من المعلومات التي يقنعك بها، فهي تقوي الأجسام وتمنحها الصحة والعافية من أمراض كثيرة وتعتبر وسيلة للتخلص من الضغوط الاجتماعية الكثيرة والشعور بالراحة، ولذلك فلا عجب أن يحثّ ديننا الحنيف على ممارسة الرياضة، وقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60] يندرج ضمن الرياضة البدنية التي تجعل الرجال أقوياء عند الحاجة، كما حثَّ الرسول صلى اللّه عليه وسلم على تقوية الأبدان في حديث معروف: (علِّموا أبناءكم السباحة والرمي والمرأة المغزل)، ولذلك نجد أن الأمم تدرب جيوشها تدريبات قاسية كي تكون قادرة على المعارك عند الضرورة، وقد أثبت العلماء أن الصلاة–وهي عبادة للّه قبل كل شيء- فيها حركات كثيرة مفيدة لجسم الإنسان ومن نعم اللّه أننا نبدأ يومنا بهذه العبادة الروحية والحركات البدنية. ينصح الأطباء دائما الناس بممارسة الرياضة وهذا قبل أن يصابوا بأي مرض، فإذا مرض أحد خاصة بتلك الأمراض التي تستلزم كثرة الحركة ألحَّ الأطباءُ على مرضاهم بضرورة الحركة والرياضة، وربما لم يقدموا لهم أي دواء كيميائي، ولذلك نجد أن المجتمعات المتحضرة تهتم بالرياضة علما وممارسة وتنظيما، فنجد أنها أنشأت جامعات متخصصة في مختلف أنواع الرياضات وتنظم بطولات وجوائز تشجيعية من أجل التنافس الشريف، وفي الأخير جميع الناس يتمتعون بما يشاهدون، ففي الفنون القتالية نشاهد استعراضات رائعة ومحيرة، وفي كرة السلة نشاهد فنيات عالية جدا قد لا يصدقها المشاهد، وفي كرة القدم- وهي الرياضة التي استحوذت على عقول الناس وقلوبهم- نشاهد فنيات وحركات إبداعية تمتع كل مشاهد. وهذه الرياضات تبقى رياضة في الأخير يجب ألا تخرج عن إطارها الذي هو ترويح عن النفس. ولكننا للأسف، نحن، العرب والشعوب الأخرى المتخلفة مثلنا، أسأنا فهم هذه الرياضات التي لم يعرف البشر كثيرا منها قديما، وذلك من أوجه عديدة أذكر منها: أولا: الرياضة متعة وليست هي كل شيء: وربما أمكننا القول إننا وقعنا في سوء فهم خطير لحقيقة الرياضة، خاصة كرة القدم، فكثير من الناس حديثهم في الصباح والعشي هو كرة القدم، ولا يهمهم من أمور المجتمع والدين والأمة شيء، وهذا انحراف خطير في عالم الأفكار، والمصيبة الكبرى أن النشء الصغير يكبر ويترعرع على هذا النمط، ويسير على منوال الكبار، فالتلميذ في المدرسة يقلد اللاعبين المنحرفين سلوكيا ويقتدي بهم ويتابع كل صغيرة وكبيرة عنهم، بينما دروسه وعبادته فقد صارت آخر ما يفكر فيه. ثانيا: الرياضة علم وفن قبل أن تكون ممارسة: هذا ما نجده في الدول المتحضرة فعلا، فهم يدرسون الرياضة جيدا، فأسسوا لها جامعات وعلوما، ويدرِّسون أبناءهم مختلف التقنيات، ولذلك نُعْجَبُ، نحن التبَّع، بفنيات الفرق الأوروبية لكرة القدم وصارت بطولاتهم تباع لنا بمبالغ خيالية، أما بطولاتنا فلا تباع وإن بيع بعضها فبثمن بخس وربما لدواع سياسية لا أقل ولا أكثر. ثالثا: الرياضة إبداع لا عنف: إننا عندما نفتح شاشات التلفاز ونشاهد بعض المباريات الرياضية في كرة القدم نشاهد إبداعا عجيبا وأهدافا رائعة، ولكن هذه الأمور نشاهدها في الفرق العريقة في أوروبا وبعض البلدان التي تسير في ركبها، فهؤلاء تجاوزوا مرحلة ممارسة كرة القدم إلى مرحلة التفنن والإبداع، وربما سمينا هذه المرحلة: مرحلة الفائض الحضاري الرياضي- كما قال أحد المفكرين- ولكن للأسف الشديد عندما نشاهد مباريات كرة القدم في الدول العربية فإننا نشاهد كل شيء إلا علم الرياضة وفن الرياضة، وهذا الحكم قاس ولكنه حقيقة يجب أن تقال، فلا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فينا إن لم نسمعها. ففي كرة القدم عندنا نشاهد مستوى ضعيفا وأداء هزيلا، وما يظهر من بعض الإبداعات الفردية فهي إما لأن هؤلاء اللاعبين تكونوا في البطولات الأوروبية وإما لأنهم من الطاقات المنسية والتي ستموت عما قريب لأنها لا تستغل من المسؤولين، وإذا شاهدنا بروز فريق من الفرق فدائما يكون بروزا مؤقتا وسيخفت بعد حين، لأنه لم يُبْنَ ولم يُؤسس على قواعد صحيحة تجعل ذلك الفريق يستمر ونشاهد أيضا رياضة فوضوية في التسيير والتنظيم يجعلك تعاف هذه الرياضة، ولا تريد فتح القنوات الوطنية لمشاهدتها، ونشاهد عنفا رهيبا وأخلاقا منحطة بمختلف الأشكال؛ فتلك ألفاظ بذيئة تجعل المهذب يتصبب عرقا ويطأطئ الرأس خجلا، وهذا تخريب للملاعب التي بنيت بالملايير، وهذه شجارات بين المشجعين، وهذا قتل، وما أدراكم ما القتل، إنها القطرة التي أفاضت الكأس، والفأس الذي هوى على الرأس، ليجعل كل عاقل في بلادنا يقول الحق ولو كان مرا كالعلقم أمام التردي الذي وصلنا إليه. فإذا كانت ملاعبنا أماكن للموت، بانهيار الملاعب كما حدث في ملعب 05 جويلية، أو بالاعتداءات بالأسلحة البيضاء أو بسقوط اللاعبين لأن أرضية الملاعب مغشوشة كما حدث للاعب قاسمي، أو بقذائف الحجارة كما حدث للاعب إيبوسي الكاميروني وهي وصمة عار لا تغتفر. فهل مازلنا نفكر في أن نستمر في تنظيم بطولات الموت ودورات العنف ورياضة الجريمة؟ إن المشكلة يا قوم ليست في الرياضة إنما فيمن ينظم هذه الرياضة ويمارسها في الملاعب ويشاهدها ويشجع، فالرياضة واحدة في جميع أنحاء العالم ولكن العقول والنفوس تختلف، فالشعوب المتحضرة لا تخرب الملاعب ولا توضع أمامها جدارات حديدية بطول عشرة أمتار ولا تجهز لها فرق محاربة الشغب ولا ترمي بالحجارة اللاعبين، فالجمهور قريب من اللاعبين ويصافحهم مباشرة عند التسجيل والفوز، الجماهير المتحضرة تتقبل الهزيمة، وقد شاهدنا جمهور الفريق البرازيلي كيف مزج بين الدموع حزنا على فريقه والتصفيق للفريق الألماني، الذي هزم الفريق البرازيلي بنتيجة ثقيلة، ولو حدثت في بلد متخلف لوقعت حرب أهلية لا محالة، لقد عجزنا عن تعلم الرياضة وتعليمها خلقا وعلما وفنا. لقد عجزت الوزارة الوصية عن تعليم الشباب الجزائري الوطنية والصدق وفن الرياضة، لقد عجزت الاتحادية الوطنية لكرة القدم عن توحيد قلوب الأندية واللاعبين والجماهير، لقد عجزت الدولة عن تخريج جيل مهذب يملك روحا رياضية عالية، لقد حان الوقت أن نكف عن تبذير أموال الشعب والعودة إلى نقطة البداية لنبدأ من جديد بتربية النفوس وترقية العقول. يجب القول إننا لسنا مهيئين لممارسة كرة القدم التي صارت مسرحا للجريمة المنظمة وغير المنظمة فكم من مناصر مات بالسلاح الأبيض، وكم من لاعب لقي مصرعه في الملاعب الجزائرية سقوطا على الأرض أو رميا بالحجارة، فالفرد عندنا يعاني من فراغ روحي وانقلاب في المفاهيم ثم نقول بعد ذلك إننا نريد أن ننظم بطولة محترفة؟؟ وكأسا للجمهورية؟؟ لقد كشف الزمن أننا نخدع أنفسنا، وعلى المسؤولين أن يكفوا عن خداع الجماهير فهذه الرياضة لا تجني إلا الموت لأبنائنا، ويجب على كل واحد أن يخاف على نفسه وولده من موت الملاعب. هناك حقيقة تنادي عاليا ولا نريد سماعها- للأسف- وهي أن الرياضة تتقنها الشعوب المتحضرة فقط، فباللّه عليكم هل رأينا بلدا متخلفا فاز بكأس العالم؟ هل سبق وأن فاز فريق عربي بكأس العالم؟ ويجب ألا نعجب، فالأمم المتحضرة متحضرة في كل شيء والأمم المتخلفة متخلفة في كل شيء، وليسمح لي القراء الكرام أن أقول إننا متخلفون حتى في عبادتنا وأدائنا لشعائرنا، ويكفينا ما نشاهده في مساجدنا من سلوكات سيئة، وفي بيت اللّه الحرام من تدافع ورفس بالأقدام وبدع منكرة جعلت كثيرا من الوافدين على الدين يستغربون وربما يرتدون. الرياضة عندنا صارت جريمة، في حق أبنائنا والأجيال الصاعدة التي فقدت الثقة في نفسها بعد أن فقدت الثقة في المسؤولين في ميدان الرياضة والميادين الأخرى وهذه حقيقة لا غبار عليها، وقد سألت شابا يافعا يمارس كرة القدم في الفريق البلدي لبلديته، عن ظروف التدريب والرعاية التي يتلقونها فأجابني سريعا: يا سيدي أنا ألعب كرة القدم هكذا فقط يدربنا ويشرف علينا لص بدأ الإشراف علينا وكان فقيرا وفي أقل من عام صار يمتلك سيارة فخمة، وذلك العام كنا لا نأخذ حقوقنا تماما ونأكل وجبات رديئة، فلهذا السبب وغيره يفقد شبابنا الثقة في أنفسهم ومسؤوليهم ثم بعد ذلك ينتقمون من الواقع ويفرغون مكبوتاتهم بالعنف والعنف فقط.