لا أقول إن الرئيس تراجع عن مضمون رسالته، في الفقرة التي توعّد فيها الصحفيين الممانعين دخول “صف” الولاء. بل أسأل، ماذا حدث ليتغير مضمون نص رسالة رئيس الجمهورية؟ هل تعرّض الرئيس إلى مقص الرقابة؟ و«من” يمارسها عليه، وهو كما ردد في بداية عهده، رئيس تحرير وكالة الأنباء الجزائرية؟ هي فضيحة قبل أن تكون خطيئة مهنية. قيل زمن حكم بوضياف رحمه الله، أن الرئاسة تعيش فوضى في التسيير، لا يعرف فيها من يأمر ولا من يؤتمر. وكانت دوافع تلك الحملات، هي ضرب مصداقية الرئيس. وبعد اغتياله، قيل ها هو الدليل على الفوضى. لكن اليوم، تختلف الأسباب. فمدير ديوان الرئاسة، مشهودا له بالانضباط إلى درجة “العمى”. والوزير الأول، لا تفوته جزئية إلا وعلق عليها منكّتا. وخصص وزير اتصال جل أشغاله للحديث عن الاحترافية والأخلاق المهنية. أما ما تبقى من وقته، يخصصه للاطمئنان على قيام وسائل الإعلام العمومية بواجبها في نقل أخبار لا تروع الحاكم، ولا تزعج المواطن. والغاز الصخري ليس إلا ملفا من الملفات المزعجة والمغيبة. ولا توجد إهانة أكبر، يمكن أن توجه للرئيس، من أن يقوم بعض محيطه بالتلاعب في نص يصدر باسمه. وعندما نقول نصا، يمكن توقّع التداخل في إصدار الأوامر والقرارات. فمن هو الفاعل؟ ولن يتوافق الأمر في التعليل بين هذه الفضيحة مع ما تقدمت به قيادة الأفالان، حين خرجت ببيان تتنصل فيه من كلام سعداني بطريقة غير شجاعة، حيث حمّلت الإعلاميين خطأ النقل، وألقت على المعارضة بمسئؤولية التسرع في ردها على ما صدر من كلام غير مسؤول يشجع على الفتنة. فمن هو صاحب البلاغة في تخوين المعارضة وتصغير شأنها، ومن يتوعد الصحفيين الرافضين منح ولائهم لغير الجزائر؟ هل يقصد به مثلا الأستاذ بوعقبة حين يصبح على القراء بتعليق لاذع لاذعا المفسدين وأهل الفساد؟ هو ومثله كثيرون، متشائمون أمام تزايد نفوذ الفساد. فإن وجّهت إليه تهمة التخّلف عن الاحترافية، والسقوط عن جواد المهنية، فمن سيلبس هذا الثوب؟ هل تلبسه جماعة “أنعم سيدي”، أم الإعلام الصامت عن ملفات مزعجة جدا، وما أكثرها، كقضية ملوك، أو توجيه اتهامات خطيرة بالخيانة والعمالة لجمعية مكافحة الرشوة؟ فهؤلاء وغيرهم كثيرون لم يجدوا فضاء يتحدث عنهم في وسائل إعلام هي في الأصل عمومية، تم الاستحواذ عليها كغنيمة من قبل جماعات الحكم، وكأنها وسائل في خدمتهم وليس في خدمة المجتمع. إنني أتذكر تعليقا لوكالة الأنباء الجزائرية، مباشرة بعد التوقيع على أرضية عقد روما. فقد استغل صاحب الفكرة –التعليق، وسيلة هي ملك للجزائريين، ليصف بها حسين آيت أحمد ومهري رحمه الله، والأحزاب المشاركة بالخيانة، وحجة السلطة آنذاك، أن الأحزاب لجأت إلى الخارج. لم يعتبر الحاكمون بخطورة استخدام التخوين لأغراض سياسوية. ولم يتعلموا من الدروس السابقة. مثلهم مثل الذين كفَّروا الناس، واتهموهم في أعراضهم وإيمانهم. هذا في الدين وذاك في السياسة والهدف يجمع وجامع. في بداية الاستقلال، اتهم شعباني بالخيانة وتم إعدامه، ثم، تم اتهام الزبيري بالخيانة وكان قد تم تهريبه. وبعد رحيل بومدين، وجّهت التهمة إلى مسعود زڤار، مجاهد ورجل أعمال. جرّد من أمواله وسجن ودمّر نفسيا. كل هؤلاء الذين قام النظام باتهامهم بالتهمة الشنيعة، قام الحكم فيما بعد بإطلاق أسمائهم على منشآت. فمصالي له مطار وفرحات عباس له جامعة. ولمسعود زڤار ملعب ولعبان رمضان شوارع. والقائمة طويلة لأناس تعرضوا للهوان والانتقام وهم أحياء، من جماعات حكم وجدت من التهمة حيلة ولعبة طريفة تستغل بها عواطف الناس. ومن حق أي مواطن اليوم أن يتساءل، كيف يرقى الخائن إلى مرتبة الشهداء؟ قد أخطئ التقدير وأخطئ في التحليل كفرد. وأحاسب على مواقفي. لكن أن تخطئ مؤسسات الدولة باستمرار، وتكرر استخدام التخوين بشكل مستمر ومتواصل فتلك هي المصيبة. ويمكن توقع من اليوم، أن النظام الذي يتهم بن فليس، سيقوم بتسمية منشأة باسمه، بعد عمر طويل للرجل. أو جاب الله، وعلي يحيى عبد النور، أو محسن بلعباس. فماذا تغيّر من فلسفة الحكم منذ التعددية الحزبية مقارنة مع سنوات الحزب الواحد، أو فترة الحكم دون حزب؟ فلكل سلطة معارضين، ترفع سابقيهم من الأموات، وتقبر الأحياء. يقولون نظاما ديمقراطيا ويقولون دولة مدنية. فكيف حدث ما حدث مع رسالة الرئيس؟ لا أنتظر جوابا. [email protected]