رئاسيات مستنسخة لمواجهة تحديات جد معقدة انتفاضات الشارع.. ثورات متقطعة تدق أجراس الخطر إذا كان ليس بالمقدور تغيير النظام من “الداخل” مثلما توصل إليه مولود حمروش، ويستبعد تغييره بورقة الشارع بعدما أجمعت أحزاب المعارضة بما فيها أقدم حزب راديكالي وهو الأفافاس على ضرورة “التغيير السلمي وليس بالفوضى”، فإن المفتاح لأزمة السلطة في الجزائر قد وضع في زجاجة ورمي به في ليلة ظلماء في المحيط. لم تعد الانتخابات وسيلة لصنع الحلول مثلما هو جارٍ في كل دول العالم، بل أصبحت في الجزائر برأي رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش “إطارا للإقصاء”، ربما بسبب تغييب الشعب فيها واقتصار صناعتها على الغرف المغلقة، ولم تعد المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات فعلا سياسيا لأن الاثنين لا يغيران في الأمر شيئا، وتجربتا رئاسيات 99 و2004 دليل على ذلك. ولم تعد إمكانيات التغيير خارج الانتخابات هي الأخرى قائمة، لأن النظام الذي شبهه حمروش ب “الشجرة الخاوية” سقوطها يكلف ضحايا، ولذلك ينصح بعدم هزها بقوة، وبالتالي لا يوجد حل خارج رفع الأيدي للسماء بالدعاء بعدما أصبحت ورقة التغيير بالشارع محل رفض ليس من قبل أحزاب الموالاة فقط بل حتى من قبل أحزاب المعارضة، ما يعني أن الحل غائب لدى الجاثمين في السلطة وعلى مستوى القابعين في المعارضة. لكن في مقابل هذه المواقف والتحاليل والتصريحات المنتجة داخل صالونات السلطة والمعارضة على حد سواء، يجري تفكير آخر مغاير في الميدان من خلال آلاف الاحتجاجات الشعبية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وهي معطيات تعكس حجم الهوة بين ما يسمى بالسياسيين ورموز النظام، وبين حركية جارية في المجتمع لم تعد حبيسة الجدل السياسي الدائر بين الرئاسة والعسكر وبين الفريق قايد صالح والجنرال توفيق وغيرها، بل تجاوزت إلى طرح بدائل من شأنها في النهاية توحيد الانتفاضات المحدودة والمتقطعة التي تقوم بها نقابات وتنظيمات مهنية ومواطنون، والتي بدأت تنتقل من المطالب الخاصة بها إلى سقف مرتفع: المحاسبة على ثروة البلاد وطريقة توزيعها والفساد المحيط بها، وهي قضايا تمثل مربط الفرس في أزمة هذا النظام. وبالنظر إلى أن كل التصريحات مجمعة على أن رئاسيات 17 أفريل لن تغير شيئا في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم في البلاد، فإن حالة الانسداد لن تدفع إلى التيئيس مثلما يتصور أصحاب السلطة، بقدر ما تتجه نحو مزيد من الانتفاضات الشعبية، فأحداث الجنوب والعنف في غرداية واحتجاجات المدرسة وتجمعات شباب عقود ما قبل التشغيل وأزمات السكن وعصابات الأحياء، ليست سوى الجزء البارز من جبل ما يسميه وزير المالية الأسبق عبد الكريم حرشاوي “رهانات جد معقدة” التي ستواجهها الجزائر في العشرية المقبلة، خصوصا في ظل ما أعلن عنه محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي من “تراجع لمداخيل البلد مقارنة بنفقاته”. ويرى خبراء أن سياسة شراء السلم الاجتماعي التي ميزت سلوك السلطة طيلة عقود من الزمن قد وصلت إلى نهايتها ولم تعد قادرة على مواجهة المطالب الشعبية التي ترى في “التغيير” ليس مجرد حل بل ضرورة في بلد ضاق فيه التنفس. «التوافق” يؤجل الصراع بين الموالين والرافضين رئاسيات لتكريس بقاء “الوضع على حاله” بات واضحا أن عصبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجدت مع جزء من المؤسسة العسكرية حلا مؤقتا يؤجل الصراع داخل منظومة الحكم إلى وقت لاحق، على أن يتحاشى كل طرف منهما الإضرار بمصالح الآخر. وهذه الصيغة تسمى سياسيا “التوافق بالتراضي”، وهي صفقة تمت على حساب مصالح الجزائريين وتطلعهم إلى ممارسة الديمقراطية الحقيقية. كعادتها عرفت أجنحة النظام المتصارعة كيف تخرج من عنق الزجاجة بأقل التكاليف، وذلك بكبح طموحاتها في الاستحواذ على مساحة أكبر وأهم في السلطة إلى حين تتوفر الفرصة المناسبة لذلك. ففي معركة كسر العظام التي عاشها الجزائريون في المدة الأخيرة، اتضح أن جهاز المخابرات العسكرية ورئيسه محمد مدين خسرا المعركة أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبطانته التي وظفت كل الأدوات لفرض عهدة رابعة لا يستسيغها عقل بشري لسبب لا يغيب إلا عن الأعمى، وهو هشاشة الحالة الصحية لسابع رؤساء الجزائر. وإن كان البعض يرفض الحديث عن “خسارة” الجنرال توفيق في هذه الحرب، مفضلا التعامل مع الأمر على أنه “تنازل” من جانبه، بحجة أن المواجهة كانت متجهة إلى انفلات أمني في البلاد لو استمرت على تلك الوتيرة الجنونية. غير أن حرص الجنرال على قطع الطريق أمام العهدة الرابعة لا يخلو هو الآخر من الرغبة في تعزيز نفوذ قطاع من العسكر متورط في الفساد حتى النخاع، ومرتبط بحكم بوتفليقة. ولكن ما يسمى “تنازلا” هو في الحقيقة صفقة بين طرفين، مضمونها كل واحد يمارس صلاحياته في الحدود المتفق عليها منذ 15 سنة. والأصل في هذه “الصفقة التوافقية” أن مصالح ونفوذ كل طرف محفوظة في الفترة المقبلة. بعبارة أخرى، وجدت عصبة الرئيس وقيادة أركان الجيش الموالية له من جهة، ودائرة الاستعلام والأمن من جهة أخرى، أنه من مصلحتهما (وبالتالي مصلحة النظام ككل)، تمديد “الوضع على حاله”. ويعني ذلك أن الجزائر تتجه إلى استحقاق رئاسي شبيه بانتخابات الرئاسة في 2009، مع فارق مهم هذه المرة، هو أن شبه الإجماع الذي لقيه بوتفليقة داخل الجيش قبل 5 سنوات فقده هذه المرة. وبذلك سيكون حال بوتفليقة في 17 أفريل المقبل، كمن سيأكل لحم جيفة! وستكون المرحلة التي تأتي بعد 17 أفريل صعبة للغاية بالنسبة للرئيس وبطانته، والسبب أنه عاجز عن تسيير “التوافق” المبني على أسس هشة بسبب لياقته البدنية المتردية. وسيضطر لمواجهة استفزازات وتحرشات الطرف الخصم الذي سيلوح من حين لآخر بملفات فساد تثير لا محالة أعصاب البطانة التي يهمها بقاء الوضع على حاله. وهذه الوضعية فهمها مولود حمروش جيدا عندما أعلن إحجامه عن الترشح بعد 10 أيام من رسالته التي عرض فيها نفسه على الجيش كخليفة لبوتفليقة. ففي ذلك الحين لم تكن لدى من يسمى متزعم تيار الإصلاحات بالأفالان سابقا كل المعطيات عن مآل الصراع بين المعسكرين. وهي معطيات كرَّست حقيقة أصبحت ماثلة للعيان هي أن النظام يسمح للناخب في حدود معينة أن يختار نائبه في البرلمان، وأن يختار أيضا رئيس بلديته، ولكنه أبدا لن يسمح أن يكون صوته فاصلا في الصندوق الذي يخرج منه رئيس الجمهورية. حوار الكاتب والناشط السياسي محند أرزقي فراد ل “الخبر” “أخشى أن تنجب مغامرة العهدة الرابعة بشارا جزائريا” ماذا تمثل الرئاسيات المقبلة لكم، هل هي بداية حل أم تأجيل مواجهة بين العصب المتصارعة على السلطة؟ الانتخابات المقبلة موعد سياسي هام يجب ألا تضيّعه الجزائر. فهي فرصة لإحداث التغيير السياسي بسلاسة. وعليه فالقضية أكبر من أن تحصر في صراع العصب، إنه مصير الجزائر ومصير أمة. وأملي أن تنتصر الحكمة لدى أخيار الحكام والمحكومين على حد سواء، وأن يوحّدوا جهودهم للدفع بالأوضاع نحو التغيير السياسي. وإذا لم يحدث ذلك فإنني أخشى أن تنجب مغامرة العهدة الرابعة بشارا جزائريا يدير ظهره لبيان أول نوفمبر ويعبّد الطريق لجمهورية وراثية. ما الفرق بين الانتخابات المقبلة والتي سبقتها؟ لا جديد يذكر بالنسبة لموقف السلطة، فقد اتخذت كالعادة خارج الأخلاق السياسية والقانون كل الإجراءات لغلق الانتخابات قصد استمرارها في السلطة والتخلص من مبدأ التداول. أمّا بالنسبة للشعب، فهناك جديد يبّشر بالخير ويزرع الأمل في نفوس الجزائريين، ويتمثل هذا الجديد في الوعي السياسي الذي بدأ يبرز في الساحة بفضل شبكة التواصل الاجتماعي التي كسّرت ذهنية القطيع وتجاوزت الأحادية السياسية التي شمسها على المغيب. لا أشك لحظة واحدة أن إرادة التغيير التي يتحلى بها شبابنا ستؤتي أكلها عن قريب، فالمستقبل لأنصار الديمقراطية، وكل محاولة تستهدف عرقلة مسار التاريخ ستكون لها عواقب وخيمة على البلاد والعباد. أين الجزائريون في هذا المواجهة: هل هم طرف أم ضحية أم مجرد متفرجين؟ الجزائريون قسمان: الموالون للنظام الحالي وهم قلة، والضحايا وهم الأغلبية يرزحون تحت هواجس الحياة اليومية الصعبة. والملاحظ أن الوعي السياسي قد بدأ ينبعث من رحم هذه الفئة بفضل حراك الشباب المعبّر عن سخطه إزاء ترهل النظام السياسي القائم الذي صار يشكل خطرا على استقرار الوطن والدولة. يبدو أن الانتقال إلى الجمهورية الثانية لن يكون غدا؟ صحيح، إن الوصول إلى الديمقراطية يتطلب مجتمعا واعيا ومنظما تؤطره الطبقة السياسية والنخبة والجمعيات والنقابات والاتحادات الطلابية التي تفهم معنى وجودها فهما صحيحا. لكن من المؤكد أن الوعي السياسي قد بدأ ينتشر في أوساط المجتمع، ويسير بخطى ثابتة لإعادة تشكيل المجتمع على أسس متينة تمهد الطريق لبناء دولة حديثة بالمرجعية النوفمبرية. ويمكننا أن نختزل الطريق لو توفرت الإرادة السياسية لدى حكامنا. هناك من النخب والأحزاب السياسية من يقترح مرحلة انتقالية للخروج من الوضع القائم، ألا يفترض أن تطرح الفكرة للنقاش العام؟ @هذا صحيح، يجب أن نسعى إلى تحقيق التغيير بسلاسة يشارك فيه الحكام والمحكومين لتلافي المجابهة. والمرحلة الانتقالية أمر لابد منه، يتم فيها بناء أسس الجمهورية الثانية، والفترة الرئاسية القادمة مرشحة لتحتضن هذه المرحلة الانتقالية التي تتطلب من الطبقة السياسية تجاوز صراعاتها الإيديولوجية المشتتة لطاقاتها. القيادي في حركة مجتمع السلم، عبد الرحمان سعيدي ل “الخبر” “الرئاسيات المقبلة لا تمثل حلا ولا تأجيلا” ماذا تمثله الرئاسيات المقبلة لكم هل هي بداية حل؟ أم تأجيل مواجهة بين العصب المتصارعة على السلطة؟ الرئاسيات تعتبر في تصور السياسي الجزائري من كبرى القضايا السياسية ذات الأولوية، فهي ليست قضية ثانوية أو هواية أو تدخل في مجال تدريب السياسيين، فهي مساحة حساسة بين الحل والأزمة، وكذلك في ميزان التدافع عن مراكز القوى المختلفة، ولكني أرى أنها بمعطياتها وظروفها وملابساتها الحالية وما يرتقب منها، لا تمثل حلا ولا تأجيلا، بل تمثل مرحلة انعتاق أو انعطاف سياسي يتجاوز الحل الكلاسيكي والاختلاف والخلاف في سياق دولي وإقليمي متحول ومتغوّل في الوقت نفسه. ما الفرق بين الانتخابات المقبلة والتي سبقتها؟ لقد أشرت إلى هذا في الجواب السابق عن الفرق والتمييز أن هذه الانتخابات ليست كالماضية، والبارز في هذه الانتخابات هو موضع التوافق الذي لم يبق بالمعيار السابق وله في هذه المرحلة أبعاده الجديدة ومدلول متغير بتغير الأوضاع السياسية المحيطة بالجزائر. أين الجزائريون في هذا المواجهة: هل هم طرف أم ضحية أم مجرد متفرجين؟ إذا سلمت لك بالمطلق أن هذه المواجهة قائمة بكل أركانها وأبعادها، فالجزائريون ضحايا والجزائر هي أكبر ضحية، لكن الذي هو موجود في نظري، وقد أختلف مع غيري فيه أن هناك تدافعا وتنافسا، فالجزائريون في 4 أصناف: طرف وضحية ومتفرج وغير مكترث. يبدو أن بناء الجمهورية الثانية لن يكون غدا؟ موضوع الجمهورية الثانية لن يحدث بعملية انتخابية إنما بإرادة سياسية صادقة وجادة لدى جميع الأطراف وفي مقدمتهم السلطة، حيث يمهد ذلك بتحول دستوري وسياسي وثقافي واجتماعي وآليات ديمقراطية تحاورية في مسار المرحلية السياسية والسلمية والهدوء، كما أشار الشيخ نحناح رحمه الله: تحول هادئ، هادف وهادي. هناك من النخب والأحزاب السياسية من يقترح مرحلة انتقالية للخروج من الوضع القائم، ألا يفترض أن تطرح الفكرة للنقاش العام؟ نعم هناك من يقترح مراحل انتقالية، بل هناك من لا يحسن في رؤيته السياسية إلا اقتراح المراحل الانتقالية، لكن يجب أن ندرك أن المقاربة السياسية والتشخيص والتشاور والديمقراطية هي أبرز المقترحات لأي حل سياسي، فإذا كانت القاعدة في الساحة السياسية ترمي إلى إثبات ونفي الأزمة في الوقت نفسه فلا معنى للمرحلة الانتقالية. في رأيكم كيف نخرج من هذا الوضع؟ يجب البحث في المجتمع عن عوامل التوافق، أي كل الأطراف تتوافق على عناصر تجاوز الخلافات والاختلال الموجود في الساحة السياسية.