منذ الإعلان عن قرار تمديد الحكم بعهدة رابعة، والجزائر تعيش ارتدادات القرار. لم تعد الصورة المشكلة للنظام بذلك الصفاء المصنع. لم تعد قادرة على عكس تجانس ألوانها، فالحلفاء يتسابقون في صراع على المواقع، مستخدمين خدما يدور حول السلطة. أمام مجلس النواب تقدم سلال ببرنامج حكومة يعتمد على الاستثمار بمال الطاقة، وعلى وعود غير دقيقة، بمواعيد غير محددة. أعاد سلال قراءة نصوص نسبت إلى برنامج الرئيس. فمن يعترض على برنامج فخامته؟ لا ينظر إلى نتيجة التصويت على البرنامج على أنه انتصار للحكومة. ما يمكن عده انتصارا للحكومة، هو تحكمها بحركية أحزاب غير قادرة على استعمال “لا”. فتفتح لها مجالات الصياح فترة، وتطبق عليها الصمت أعواما. أحزاب مهمتها يحددها زمنيا صوت الجرس. وهي نفسها التي تشارك السلطة في اللقاءات الدستورية. لقد فهمت أن وجودها مرتبط باستمرار النظام على شكله الحالي. تقول ما يقوله، وتصمت على ما يحرجها أمام الرأي العام. ويمكن القول أيضا إن النظام منذ أن صنع التعددية الحزبية، نجح في عملية خلق فصيلة حزبية، تخدمه بفاعلية أكبر مما تخدمه أحزاب الحكومة. هؤلاء وأولئك هم الذين سيتكفلون بتمرير دستور متكيف مع شعارات المرحلة، يتبنى مبادئها من أجل تفريغها. وإن كانت المبادرة كشفت من الناحية السياسية عن حدود ما ترمي إليه من تغيير أو تعديل، فهي لا تكثرت بصعود روائح كريهة من وسط التكتلات التي يشكلها الوسط المالي، الواضع نفسه في الظل، الواقف إلى جنب أحزاب الحكومة وأحزاب البرلمان غير المعارضين من أجل تحقيق غاية واحدة، وهي استمرار النظام على شكله الريعي المعتمد، الذي يعتمد على الاحتكار وعلى إقصاء الرأي المخالف. سندخل دون أدنى شك مرحلة جديدة، لنكون شهود عيان على أنواع جديدة من الزواج السياسي بين تيارات يسارية ويمينية ووسطية، فيما بينها، وبين رجال الأعمال وكبار تجار تهريب العملة. وإن لم نكن دخلنا ها العهد، فإننا في ليلته. إن الحراك والصراعات الخفية التي يعيشها منتدى رؤساء المؤسسات منذ أكثر من سنة، تكشف عن أحد تلك الصور من الصراع، في تشكيل علاقة بين المال وبين السياسة. وبالنظر إلى الجو السياسي والقانوني، تدل جميع المؤشرات إلى تزايد نفوذ المال، لاسيما المال القادم من عالم الظلمات، أمام ضعف أو محدودية وسائل احتواء خطره. وقد تشهد الجزائر عنفا جديدا، يكون هدفه بسط نفوذ السلطة الصاعدة. عنف يحركه أصحاب المال من أجل بسط النفوذ. جميل الحديث عن توازن السلطات أو استقلاليتها عن بعضها أو عن حماية المصلحة العليا للوطن وصيانة شرفه وكرامة مواطنيه وحماية المال العام من العبث. جميل كل ذلك، لكنه غير كاف ولا يضمن شيئا. فالدستور ضعيف إلى درجة العبث به. وليست تلك اللقاءات “الطريفة” بين مدير ديوان وبين ضيوف هي التي ستأتي بالعقد الاجتماعي. جاء في دستور 96 الحق في إنشاء أحزاب. لم يطبق، وعفسه وزير الداخلية زرهوني يوم قال إنه لن يوقع على شهادة ميلاد حزب طالب أو حزب غزالي. زرهوني اليوم في راحة مدفوعة الأجر، وهو من ضيوف مدير الديوان، يشير عليه بأفكاره “النيرة”، و”تصوره” لدستور المستقبل؟ جاء في دستور 96 الحق في إنشاء جمعيات. تمت محاصرتها، ثم الغلق عليها من خلال قانون 2011، الذي جعل من الدستور وكأنه من بقايا الخردة. جاء في دستور 96 حق المواطن في الإعلام. وبحكم المهنة أشهد أننا غارقون في محيط الفساد المقنن والمخطط له. جاء في دستور 96 ضمان حرية التعبير للمواطن، وحقه في التظاهر والتعبير بالأشكال السلمية عن رأيه. وفي الواقع، تم إفراغ المواد من روحها، وتعويضها بروح الملح، عن طريق إصدار قوانين ومراسيم تمنع المسيرات وتبيح الضرب والتوقيف. جاء في دستور 96 أن الرئيس ضيف على السلطة، لا يعمر ولا يسكن القصر أكثر من 10 أعوام. فماذا حدث حتى أصبح القصر والكرسي أجزاء من ميراث جمهورية تسير على عكازات النظام الملكي المطلق، حيث الملك هو الرب وهو العائل وهو السيد الأول؟ أليست وجوه الماضي التي تحكم وتلك التي تسندها، هي في خدمة جيل جديد من مسيرين أغنياء، ليس لطموحهم حدود سياسية؟ إن غياب اقتصاد منتج والافتقاد لاستراتيجية صناعية والاكتفاء بالإشارة إلى بناء سياحة، من دون تحديد الأهداف ولا الآجال، هي مؤشرات على وجود رغبة في استمرار التعامل بوسائل التهريب والمهربين.. ما يقوي جناح أولئك الذين يعتمدون على خلق الثروة من خلال الاستيراد.