شددت مؤسسة الجيش على احتكامها إلى المهام الدستورية، الملقاة على عاتقها، وعدم إقحامها ”في ما لا يعنيها”، في رد على أصوات تطالب بتدخل الجيش لإسناد مسار تغيير أو انتقال ديمقراطي، في البلاد. جدد الجيش من خلال ما أوردته مجلة ”الجيش” في افتتاحية عددها لشهر جويلية، تأكيده عدم الخوض في المسائل السياسية، وعدم التدخل في الشؤون السياسية في البلاد، وأفاد أنه ”بعد ربع قرن من اعتماد التعددية الحزبية وانسحاب الجيش من الساحة السياسية نهائيا، فقد تفرغ لبناء جيش عصري احترافي، يؤدي مهامه الدستورية مع الحرص الكامل على الناي بنفسه عن كافة الحساسيات والحسابات السياسية”. وبدا أن تطرق مجلة ”الجيش” لجدلية ”تدخل الجيش في السياسة”، له مبرراته، وتتعلق بمجملها في دعوات تطالبه بالتدخل في مسار تغيير، ديمقراطي في البلاد، وارتفعت هذه الأصوات منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية 17 أفريل الماضي، لكنها كادت تبقى لصيقة بالدعوة التي وجهها رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، لمؤسسة الجيش على ”واجب” أن يلعب دور ضامن لعملية انتقال ديمقراطي بأقل التكاليف، ويشخص حمروش الانسداد ليقول إن النظام أصبح متآكلا، ويجب أن يسقط بأسلوب هادئ وليس بموجة هوجاء، والعمل في نظره ضرورة وضع ترتيبات انتقال إلى عملية ديمقراطية يساهم فيها الجيش. وبالنسبة لرئيس الوزراء الأسبق فإن ”الحل الوحيد هو الاتجاه وبقوة لوضع ترتيبات للانتقال بالجزائر إلى الديمقراطية بمساعدة المؤسسة العسكرية”. والواضح أن تجديد مؤسسة الجيش التأكيد على أداء مهامها الدستورية (حماية الحدود وحفظ السيادة الوطنية وتدعم الدفاع الوطني)، نابع من تجدد دعوات باتجاهه كي يكون له دور في التغيير، ومثل هذه الدعوات تتعزز عند الذين لا يؤمنون بالمراجعة الدستورية، وأعلنوا مقاطعتها قبل الشروع فيها، ومن هؤلاء مولود حمروش، الذي أكد أمس من قسنطينة أن أزمة الجزائر لن تحل عن طريق الدستور، ودعا إلى عقد وفاق وطني يلتقي فيه النظام بالمعارضة، على أن يتم تحت وصاية الجيش. ولا تحبذ المؤسسة العسكرية أن يذكر اسمها ضمن مساعي التغيير، خاصة إذا جاءت من المعارضة، بينما اهتمامات المؤسسة المعنية، بناء جيش محترف، يترك الشأن السياسي لأهله، بينما ركز في افتتاحية مجلته أمس، على ”المحافظة على صورة ومكانة الجيش الوطني الشعبي وعدم إقحامه في مسائل لا تعنيه وهي بعيدة كل البعد عن مهامه والتزاماته”. كما شدد على أنه يبقى ”متمسكا بالمهام التي خولها له الدستور لا يحيد عنها أبدا مهما كلفه ذلك من تضحيات”. وليست هذه المرة الأولى التي ”يوضح” فيها الجيش أن مهامه ليست تلك التي يحاول البعض إلصاقها به، فقط لكونه مؤسسة منضبطة، ولكنه سبق وأن أكد على مهامه وحدودها، الدستورية، منذ بداية الغليان السياسي الذي صاحب ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، لكن جدال ”الجيش والسياسة” لم يتوقف بتوضيحات المؤسسة نفسها، خاصة بعد التصريحات النارية التي أطلقها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني ضد مدير الاستعلامات والأمن، محمد مدين، بخصوص تدخله في الشأن السياسي. لكن هناك من يرى أن أي تغيير لا يمكن أن يتم دون الجيش، فالعقيد المتقاعد من جهاز الاستخبارات الجزائري، محمد خلفاوي يقول ل«الخبر”، أنه ”لا يمكن إحداث أي تغيير بالجزائر ما لم يكن لمؤسسة الجيش رأي فيه”، وتساءل إن كان ”هناك أمور غير معلنة، تعليقا على جدل أثير بحدة في الأيام الماضية، حول احتمال انسحاب الجيش كليا من صنع القرار بالجزائر”. كما يعتبر المتحدث أن ”الجيش عنصر فاعل في مرافقة أي مسعى للتغيير بالبلاد، وهناك ثنائية في المشهد السياسي بالجزائر لازمت القرار السياسي منذ استقلال البلاد عام 1962، وهي ”الجيش” و«حزب جبهة التحرير الوطني”.