مناجم: سونارام تبحث مع خبير جزائري دولي تثمين المعادن الاستراتيجية محليا و تطوير شعبة الليثيوم    المغرب: توالي فضائح المخزن التطبيعية ودعوة الى تصعيد الاحتجاجات لطرد الصهاينة    وفرنا خلية عبر المنصة الرقمية لإستقبال انشغالات المجتمع المدني    يستقبل وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50695 شهيدا و115338 جريحا    نسعى للتأسيس "لشراكة بناءة" مع جمعية البنوك والمؤسسات المالية    مصرع 3 أشخاص وإصابة 246 آخرين في حوادث المرور    فرنسا : توقيف مهرب مغربي و بحوزته 120 كيلوغراما من المخدرات    اليوم العالمي للصحة: الجزائر ملتزمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة    عمليات الترميم والحفظ "تسير على قدم وساق وبأعلى التقنيات "    مواي طاي (بطولة افريقيا- 2025- أكابر): مشاركة 12 مصارعا في موعد ليبيا المؤهل إلى الألعاب العالمية- 2025 بالصين    الجيش الوطني الشعبي: تنظيم "أبواب مفتوحة" على مركز التدريب المتخصص في النقل بالمسيلة    المدية: إصابة 14 شخصا بجروح إثر إنقلاب حافلة بالسواقي    افتتاح الخط الجوي الجزائر-أبوجا : إنجاز جديد لتعزيز روابط الجزائر بعمقها الإفريقي    خطر الموت يُهدّد مليون طفل في غزّة    تخصيص 100 هكتار لزراعة دوار الشمس    تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أفريل    زعلاني: فرنسا ملزمة بتنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان    الشباب يستعيد الوصافة    كأس الكونفدرالية/ربع نهائي إياب: شباب قسنطينة يتنقل هذا المساء إلى الجزائر العاصمة    سوناطراك تتفق مع الشريك الأمريكي بيكر هيوز    انطلاق أشغال مؤتمر "الجزائر المتصلة 2025"    فيلم الأمير.. ورهان الجودة    ورشة تكوينية حول الإنابات القضائية الدولية والتعاون الدولي بالجزائر العاصمة    اتفاقية تعاون بين جامعة "عبد الحميد بن باديس" لمستغانم وجامعة "فريديروكو 2" لنابولي الإيطالية    رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين بأوروبا تدعو إلى تقوية الجبهة الإعلامية لإيصال صوت الشعب الصحراوي الى بقاع العالم    الخارجية الفلسطينية تطالب باتخاذ تدابير فورية لوقف حرب الإبادة وجرائم قوات الاحتلال الصهيوني    تصفيات مونديال سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    الجيش..عيون ساهرة على صون السيادة الوطنية    فرنسا ملزمة بتطهير الألغام التي زرعتها في الجزائر    رفح.. المدينة التي محاها الاحتلال من الخارطة    أيام سيرتا للفيلم القصير بقسنطينة: تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أبريل    تراجع كميات الخبز المرميّ بعلي منجلي    جمعية العلماء المسلمين تدعو إلى وحدة الصف لنصرة فلسطين    استئناف رحلات قطار الجزائر- تونس    الشبيبة تقفز إلى الوصافة    رحلات بحرية إضافية نحو مرسيليا    اتهلاو في الجزائر    الجزائر ومنظمة الصحة تتفقان    عرض أوروبي مغرٍ لقندوسي وسيراميكا متردد    محرز يتضامن مع غزة ويطالب بوقف حرب الإبادة    47 مؤسسة تربوية و51 مطعما تسلَّم قريبا    بن يحيى: قادرون على قلب الموازين وسنقاتل أمام أورلاندو    هذه أهم أسباب الطلاق في الجزائر    تركيز الاهتمام على السينما الفلسطينية    متحف خاص يؤرخ للفن والتراث بتندوف    هكذا يكون الرجوع إلى النظام الغذائي العاديّ    فنان الشعب وأسطورة الشعبي    بحثنا سبل تنفيذ القرارات الخاصة بتطوير المنظومات الصحية    الموافقة على تعيين سفير الجزائر لدى إثيوبيا    تعاون متزايد بين الجزائر ومنظمة الصحة العالمية لتعزيز القطاع الصحي    وزارة الصناعة الصيدلانية تقرّ اجراءات تفادياً لأي تذبذب أو انقطاع دوائي    برمجة فتح الرحلات عبر "بوابة الحج" و تطبيق "ركب الحجيج"    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    









"محاكمة الاستعمار سينمائيا لم تتجسد بعد نصف قرن من الاستقلال"
نشر في الخبر يوم 14 - 12 - 2014

قال الناقد السينمائي والباحث الجامعي، محمد بن صالح، إن محاكمة الاستعمار سينمائيا لم تتجسد لحد الساعة، رغم كثرة الأفلام التي أنتجتها الجزائر. وأوضح، في حوار مع ”الخبر”، بأن كل الأفلام حول تاريخ الكفاح من أجل التحرير الوطني يكتنفها الغموض والأسرار حول فترة معينة من التاريخ، وهذا يعود في اعتقاده إلى الالتباس الحاصل بين ما هو حقيقة تاريخية وما هو ذاكرة، وانعكاسات ذلك على الخطاب الفيلمي، معتبرا أن الأفلام المنتجة لم تساهم في توضيح الإرث التاريخي للجزائر، وهو ما نلمسه حاليا عند الجزائريين وفئة الشباب التي تجهل كلية تاريخنا الوطني.
بعد الجدل المثار حول الأفلام التي تناولت التاريخ الجزائري، هل السينما مطالبة باحترام حدود معينة في تناولها لأحداث تاريخية ذات صلة بثورة التحرير؟ هل هناك منطقة وسطى بين ”الخطاب الفيلمي” و”الخطاب التاريخي”؟
كانت الخطابات السينمائية حول السياقات الثورية دائما محل استقطاب وجدل، وهذا أمر جيد، لكن الملاحظ دائما أن الجوانب السردية للقصة هي التي تستقطب انتباه المشاهد، لكن وللأسف نادرا ما يهتم بالشكل وبالخيارات الجمالية والأسلوبية للمخرجين والسيناريست وخياراتهم الإيديولوجية. كما تجب الإشارة إلى أن تقدير وتجاوب الجمهور مع الأعمال السينمائية يبقى نسبيا ويختلف حسب الجماهير والفترات الزمنية والسياقات التاريخية، فترات التلقي وكذا الرصيد الثقافي للمشاهدين. كما لا يستطيع المخرجون، من خلال معالجتهم لموضوع معين، توقع الانعكاسات وقوة رسائلهم والمسافة التي يتخذها المخرج إزاء الحقيقة التاريخية خلال تطرقه للقصة وفي البناء الدرامي للفيلم وترتيب المشاهد. وبناء على ما سبق، فإن القراءة النقدية لعمل فني لا تنحصر في المعايير السينمائية فقط، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار جملة العناصر ومضامين اللقطات والمشاهد. هنا يأتي دور الناقد السينمائي لمساعدة المشاهد على تفكيك الروابط بين ”الخطاب الفيلمي” و”الخطابات التاريخية”، من جهة ومن جهة أخرى بين ”الحقيقة السينمائية” و”الحقيقة التاريخية”. يساهم تفكيك الصور ذات صلة بالتاريخ، تحليل ميكانيزمات إنتاجها ودراسة سياقات إبداعها والناقلات الدعائية التي تخدمها، في فهم المنشأ والانتشار الواسع لمخيال وهمي مرتبط بالماضي. وكتدعيم لهذا الطرح، أقدم مثالين حول النقد السينمائي، أول مثال يتعلق بأفلام ”الويسترن” كنوع يلقى إعجاب الجمهور. انطلاقا من توظيف خطاب سردي مؤسساتي ورسمي، استطاعت هذه الأفلام حجب الطابع الدموي لملحمة احتلال أمريكا والقضاء الكلي على الأهالي، تحت مسميات العدل وإحلال العدل والفضيلة، في قالب ترفيهي مفعم بالتشويق و”السوسبانس”. والمثال الآخر يتعلق بالأفلام حول الماضي الاستعماري والأوهام السوسيو- اجتماعية التي تثيرها، فالمتتبع الفطن يكتشف بسهولة كيف تتشكل الصور النمطية أو ”الكليشيهات” والأساطير في المخيال الجماعي. وهناك ما يسمى أيضا ”الخطابات الفيلمية” حول النزاعات الكبرى بين القوى الأوروبية الممجدة بقوة في السنوات الأخيرة.
كيف نفرق بين الحقيقة والخطأ وبين الحقيقة والرواية من خلال الخطاب السينمائي؟
التاريخ كان دائما محل محاولات تلاعب وتزييف أو تضخيم، قبل ظهور السينما. لذا، فإن سحر الشاشة الكبيرة والتقنيات السينمائية والجمالية وتضخيم الأحداث تترك الانطباع لدى المشاهد بأنه أمام الحقيقة. لقد تفطنت استوديوهات هوليوود لأهمية السينما في تشكيل المخيال وتغذية الأوهام، من خلال تضخيم وقائع الحروب والدم. استطاعت إعادة كتابة تاريخ أمريكا الدموي وتقديمه في قالب إيجابي ومستحب، باستعمال عدسات الكاميرات وتوظيف التقنيات والخدع السينمائية لتزييف الحقيقة. التاريخ بصفة عامة والحروب بصفة خاصة كانت دائما مصدرا لتحقيق الأرباح بالنسبة للمنتجين اللاهثين وراء الأعمال الاستعراضية بغض النظر عن التماثلات الجزئية والمتحيزة، وهو ما يفسر سعي لوبيات الإنتاج والسياسة لإعادة كتابة التاريخ وتوظيفه لخدمة مصالحهم. ساهمت الاحتفالات الرسمية حول الأحداث في تغليب كفة الأسطورة على الحقيقة وإضفاء طابع بطولي وملحمي على الحقائق والمعارك. لكن عندما يتعلق الأمر بجرائم الدولة مثل، ناغازاكي، هيروشيما، الفيتنام، فلسطين، العراق.. إلخ، لا نجد سوى الصمت والطابوهات. ولهذا، فإن اللاوعي الجمعي لدى المخرجين الأمريكيين لايزال يمنعهم من التعاطي بموضوعية مع الجرائم والمذابح الكثيرة في تاريخهم الوطني، بدليل قلة أفلام ”الويسترن” التي تستحق الاهتمام فعلا، ونفس الأمر ينطبق على أفلام تتناول قضية التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل المخرجون السينمائيون مقيدون بنفس الالتزام بالحقائق التاريخية مثل المؤرخين؟
لا أعتقد ذلك، لكن كل عمل سينمائي حول التاريخ عامة وتاريخنا بصفة خاصة يجب أن يلتزم بمقاربة فكرية وعقلانية تعترف بوجود تداخل بين الإبداع والمبدعين والمؤرخين وسياق نشأة الروايات.
لاحظنا بأن الخطابات الفيلمية تتسم بالذكاء والوضوح والواقعية والعقلانية، كلما كان الماضي بعيدا والمشاعر هادئة والبحوث التاريخية متقدمة. وأقدم مثالين بهذا الخصوص من خلال فيلمي ”ما وراء الشهرة” و”إنقاذ الجندي رايان”، وهي أفلام تروي وقائع إنزال الحلفاء في فرنسا في قالب واقعي يجسد مكانة الجندي العادي في الصراع. أما مخرج فيلم ”ما وراء الشهرة” فيروي تجربته الخاصة خلال الإنزال، أما سبيلبرغ مخرج ”إنقاذ الجندي رايان” فقد ركز أثناء كتابة السيناريو على مجازر الجنود بسبب اختلافات بين الضباط.
ما تعليقكم على الخطابات الفيلمية حول التاريخ الجزائري بعد نصف قرن من الاستقلال؟
لقد وظف الاستعمار الفرنسي الصورة لخدمة أغراضه التوسعية، واستعان من أجل ذلك بمخرجين سينمائيين لتمجيد المهمة الحضارية على الشاشة دون التطرق للاحتلال الهمجي ومعاناة الشعب الجزائري. أعتقد جازما بأن المحاكمة السينمائية للاستعمار لم تتجسد بعد، رغم انقضاء 52 سنة من الاستقلال. ومن خلال معاينة الإنتاج السينمائي حول ثورة التحرير، نكتشف حجم الهوة بين الخطاب الرسمي والحقيقة المعروضة على الشاشة. إنجاز وتركيب أولى الصور الجزائرية كان في الجبل أثناء حرب التحرير، بفضل شجاعة سينمائيين نددوا بفظاعة أعمال الجيش الاستعماري عن طريق صور حول الحرب.
بعد الاستقلال، كان الشعب الجزائري فخورا برؤية نفسه على الشاشة، والأعمال المنتجة في تلك الفترة كانت بمثابة شهادة حية على تضحيات الشعب من أجل الاستقلال. بداية سنوات السبعينيات عرف الخطاب السينمائي تغييرا في اللهجة والشكل والطبيعة، وأصبح كل سيناريو يتناول الآفات الاجتماعية محل شبهة وقوّضت الرقابة الممارسة كل محاولة إنتاج أو ظهور خطاب فيلمي جديد وتقلص الإنتاج السينمائي الوطني. وكنتيجة حتمية تعرضت الهياكل السينمائية للحل، لكن هذا لم يمنع إنتاج بعض الأعمال بمناسبة الاحتفال ببعض الأحداث التاريخية.
ما تعليقاتكم حول الجدل المثار مؤخرا حول بعض الأفلام السينمائية على غرار فيلم ”الوهراني” للمخرج إلياس سالم؟
كل الأفلام حول تاريخ الكفاح من أجل التحرير الوطني يكتنفها الغموض والأسرار حول فترة معينة من التاريخ، وهذا يعود في اعتقادي إلى الالتباس الحاصل بين ما هو حقيقة تاريخية وما هو ذاكرة وانعكاسات ذلك على الخطاب الفيلمي. التاريخ الوطني أصبح مبررا لصنع سيناريو مغامرات وتشويق وملاحم بطولية، على حساب الحقيقة التاريخية. والأفلام المنتجة لم تساهم في توضيح الإرث التاريخي للجزائر، وهو ما نلتمسه حاليا عند الجزائريين وفئة الشباب التي تجهل كلية تاريخنا الوطني. فالذاكرة الجماعية تحتفظ فقط بفيلم ”معركة الجزائر” كأهم حدث خلال سبع سنوات من الكفاح، بفضل عمل المخرج الإيطالي ”جيل بونتيكورفو” الذي يحتل الصدارة في المخيال الجماعي، ويرسخ الاعتقاد لدى الجزائريين بأنها المعركة الوحيدة في تاريخ الجزائر. نلاحظ بأن السياق تغير، لكن المنتج الإيديولوجي يواصل مهمة صناعة الأحلام والأوهام عن طريق التلاعب بالوقائع التاريخية. المتحكمون في مقاليد السلطة يفرضون رواية رسمية للتاريخ، لأن التحكم في الحاضر مرهون بمدى تحكمهم في الماضي.
هل هناك إمكانية لنشوء مخيال سينمائي جديد في الجزائر؟
تلعب الدولة بكل مؤسساتها في الجزائر دورا فعالا في تحديد محتوى الحقيقة التاريخية، عن طريق تحديد البرامج التربوية والثقافية، بتعيين الأساتذة، اختيار السينمائيين ومراقبة كل الإنتاجات المسرحية والسينمائية لمواجهة كل محاولة لكتابة مضادة للتاريخ. في الوقت الحالي، لا تعكس الشاشة الكبيرة تاريخنا الوطني، ما عدا بعض الإنتاجات. الجدل المثار حول أفلام ”أحمد زبانة” لسعيد ولد خليفة و”الوهراني” لإلياس سالم يبرهن على وجود إشكال. والأكيد أن أي فيلم لا يستطيع رواية أو وصف أحداث تاريخية بصفة كاملة، لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل حول طريقة السينمائيين في إعادة كتابة صفحة من التاريخ وتأثير السلطة وتاريخ الثورة على إنتاجهم. نسجل حاليا ظهور جيل جديد من السينمائيين والمؤرخين والباحثين لم يعايشوا أحداث الثورة، وهو ما يفتح أمامهم آفاقا واسعة من البحث والإبداع. لكن يجب أن تكون الخطابات السينمائية مرتبطة بالسياقات السوسيو- اجتماعية والسياسية، لأن سيناريو خياليا حول التاريخ ليس مجرد رواية، فهو خطاب عن العالم وتمثيل لفترة معينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.