إن الحادثة التي سقناها في الحلقة السابقة حول الاستبداد والاضطهاد اللذين كانت تمارسهما قريش ضد الرسول وصحابته والظلم الذي كانت تسلطه على الضعفاء من المسلمين حيث تمنح الحصانة للأقوياء منهم خصوصا الأغنياء، أما الفقراء والمستضعفون فلا يحميهم من العذاب إلا صبرهم وثباتهم أو أهل السعة من اخوانهم من المسلمين كأبي بكر الصديق وعثمان مثلما كان الأمر مع بلال الذي يجري تعذيبه تحت درجة حرارة تتجاوز 50 درجة، أما آل ياسر الشهداء الأوائل فإن قصة اضطهادهم مشهورة وهذه الممارسات التعذيبية التي كان يمارسها الطاغية أبو جهل على الضعفاء الهدف منها هو معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن الحب استطاع التغلب على الكراهية والوقوف في وجه الحقد والظلم والبشاعة في العنف والتعذيب والاستنطاق وأن يرغم هؤلاء الطغاة رغم قوتهم وجبروتهم على الاعتراف أنه أسمى من الحقد والكراهية، فلم تستطع هذه الوسائل الرهيبة أن تأخذ من هؤلاء المعذبين في الأرض الاقرار بسب الرسول بل تزيدهم المحبة ثباتا وصبرا وهم يحرقون وتبتر أعضاؤهم وتصادر ممتلكاتهم وتبطش بهم. الحب في الاسلام له ذوق آخر ومدلول لا يمكن أن يقولب في أحرف أو كلمات بل يبقى مفتوحا وكبيرا وعظيما انفتاح الصحراء على سمائها بقوة تدفق الضوء على مكة لحد انصهارها، هو ذا الحب الذي سكن القلوب الطرية فاستقوت وثبتت وأصبحت صلبة بالحق تقهر بسلاح المحبة كل مبتكرات الحقد والكراهية والعنف لأن الأمن والسلام هما الهدف الوحيد الى طريق السعادة حيث لا مكان للخوف وللرعب وللتعذيب إلا للحق وللحق فقط، هكذا كانت التربية التي أحدثها الاسلام بأسلوبه المتميز الجديد الذي لم تستطع قريش انكاره ولم تستطع مجاراته لأنه يكشف القلوب وراء محمياتها ويفضحها بل يذلها إذلالا لا هوان بعده مثلما فعل بلال بن رباح حينما كان يرد على جلاديه أحد..أحد، فكان الحب يملأه والكره والحقد يملأ قلوب جلاديه، فماذا فعل محمد ببلال، بل ماذا فعل رب محمد ببلال حرره من العبودية ملأه بمحبة الانسانية وبالخير ولم يكن بلال قاهرا بل كان مقهورا ولم يكن قويا، بل كان مستقوى عليه، ولكن حينما عمر قلبه بالإيمان أصبح القوي الذي يقهر جبروت الطغاة، هو ذا محمد الذي تعلم منه الضعفاء مصدر القوة التي كانت تستمد من الحب بل وتحولهم جميعا الى كتلة واحدة والأفضل هو من يكون أكثر محبة، وهل هناك محبة غير التقوى "... إن أكرمكم عند الله أتقاكم" و"لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هذا هو البناء الإسلامي المحصن بالحب وبالرحمة، عكس ما يحاول أعداء الإسلام الجدد المتدرعين بحرية التعبير والمتمترسين بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، فمن أولى بالدفاع عنه أبو جهل أم بلال، ومن هضمت حقوقه عمار بن ياسر وأسرته، أم الأيادي التي تلطخت بدم ياسر وأم عمار!! أين يكون هؤلاء ومع من.. وكيف يدافعون على حرية التعبير والإنسان، فإن كانت مع بلال وعمار فإن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بالعنيف والمتطرف والمتشدد، وإن كانت مع أبي جهل وعصابته فإن محمدا حاشاه أن يدخل في قائمة الإرهابيين المطلوبين باقترافهم جرائم في حق الإنسانية.