حملت هدى داوي المختصة الأرطفونية في مدرسة «الشيخ بوعمامة» بالعاصمة، الأولياء بالدرجة الأولى، مسؤولية إقبال أبنائهم على تعاطي السجائر بطريقة غير مسبوقة وبكميات كبيرة، حتى داخل المؤسسات التربوية، وبطريقة علنية، وقالت: «ينبغي دق ناقوس الخطر لوضع استراتيجية رقابية على التلاميذ في المتوسطات والثانويات، تستهدف تفتيشهم ومعاقبة المدخنين منهم، أو الحاملين لعلب السجائر حتى لا تمتد الظاهرة إلى الأطوار الابتدائية. التقت «المساء» الاختصاصية الأرطفونية، على هامش مشاركتها في فعاليات الأيام التحسيسية حول محاربة آفة المخدرات التي احتضنتها ساحة البريد المركزي مؤخرا، وأشارت إلى أن التدخين تحول إلى آفة اجتماعية أصبحت تهدد المراهقين بالدرجة الأولى، بالنظر إلى إقبالهم على تعاطي هذه السموم، من منطلق التقليد الذي يتحول إلى بحث عن نشوة آنية سرعان ما تزول، لتدفع بجسم الطفل إلى طلب المزيد، وللأسف، لا تتعدى أعمار الأطفال المدخنين 12 سنة، وهو سن جد صغير للإدمان على مثل هذه السموم، ومن هنا يظهر دور الأولياء الذي يعتبر مهما في هذه المرحلة العمرية، أي خلال المراهقة التي يعرف فيها الطفل العديد من التغيرات الفيزيولوجية التي تؤثر على نفسيته، غير أن ما يحدث في المجتمع مخالف تماما لما ينبغي أن يكون عليه، حيث نجد أن الأولياء غائبون تماما وكأن الأمر لا يعنيهم، وإلا كيف نفسر علب السجائر في محافظ التلاميذ وجيوبهم!، وهنا نطرح السؤال: أين هي رقابة الأولياء؟ حتى وإن ذهبنا إلى أبعد من ذلك، بالقول بأن الأولياء لا يحبذون فكرة التطفل على خصوصيات الأبناء بمنحهم جانبا من الحرية الشخصية، ألا تفضح رائحة السجائر القوية التي تعلق في الثياب الأبناء المدخنين؟ فالرائحة وحدها كفيلة بجعل الأولياء ينتبهون إلى الخطر الذي يهدد أبناءهم، خاصة الأمهات بحكمهن الأقرب من أبنائهن. لذا أعتقد، تقول المختصة الأرطفونية، أن ما جعل مشكل التدخين لدى المتمدرسين في مجتمعنا متفاقما هو لامبالاة الأولياء، أو تجاهل الأمر بسبب كثرة الانشغالات اليومية، خاصة إن كان الزوجان عاملين. كما تعتبر المدرسة ثاني من يتحمل المسؤولية، تؤكد المختصة الأرطفونية، وتقول؛ «لأنها لا تعلب دورها كما ينبغي في مجال توعية التلاميذ وتحسيسهم، إذ نجد غياب الصرامة في التعامل مع المدخنين في أغلب المؤسسات التربوية، الأمر الذي يفسر الإقبال على التدخين في المدارس أحيانا علنا وأمام المدرسين في الأطوار الثانوية، وما زاد الطين بلة، خلو البرنامج الدراسي من البرامج التحسيسية على شكل ورشات حية، أو لقاءات ميدانية مع مختصين، حتى وإن وجدت، فلا تعطي الاهتمام المطلوب، بالتالي نجد مجالات التوعية محدودة في المؤسسات التعليمية، الأمر الذي ساهم في انتشار هذه الآفة في صفوف الأطفال». وحول دورها كمختصة أرطفونية في الحد من ظاهرة التدخين في المؤسسات التربوية، قالت؛ «نعمل في مدرسة الشيخ بوعمامة كوحدة صحية متكاملة مكونة من طبيب عام، وطبيب أسنان ومختص نفسي وأرطوفوني، نهتم في برنامجنا بالكشف عن صحة المتمدرسين في المؤسسة التي نتواجد فيها، ومن خلال عملنا الميداني، اكتشفنا أن المدخنين من المتمدرسين كثر، الأمر الذي يجعلنا نطلب الدعم من إدارة المؤسسة ممثلة في معلمين والمدير والمراقبين، لإنجاح عملنا لأنه يظل محدودا». وفي ردها عن سؤالنا حول المطلوب من أجل الحد من تفشي ظاهرة التدخين في المؤسسات التعليمية، تقول المختصة الأرطفونية؛ لابد من دق ناقوس الخطر والإسراع في وضع خطة عمل في كل المتوسطات والثانويات، بالاعتماد أولا على العمل التحسيسي المرفق بالترهيب الذي لا يتحقق إلا بإطلاعهم على ما تحويه السيجارة من أضرار، تبدأ بالاستمتاع، لتصل إلى حد الإدمان، ومنه الوفاة بسبب بعض الأمراض الخطيرة، كالسرطان، عن طريق الاعتماد طبعا على عينات حية موجودة فيالمستشفيات وإرفاقها بشهادات لمدخنين توقفوا بسبب التدخين، بعدما أدركوا خطورته. تحمّل محدثتنا المدرسة مسؤولية هؤلاء، وبالتالي فهي مطالبة بالتبليغ عن حالات التدخين المشتبه فيها لذويهم ومعاقبتهم عقوبات صارمة ليكونوا عبرة لغيرهم، إلى جانب العمل على تطبيق القوانين المتعلقة بالتدخين في المؤسسات العمومية تطبيقا صارما، وفي المقابل، على الأولياء إعادة النظر في علاقتهم بأبنائهم، من خلال التقرب منهم ومعرفة كيف ومع من يقضون وقتهم، وما الأمور التي تثير اهتمامهم أو تزعجهم ليسهل عليهم فهم وتفسير تصرفاتهم، ومن ثمة حمايتهم». الأرقام التي تكشف عنها مختلف التقارير فيما يخص التدخين خطيرة، حسب المختصة الأرطفونية، وفي اعتقادي تقول: «لا حاجة للبحث فيها، لأن أغلب المتمدرسين يدخنون والخطورة تكمن في امتداد الظاهرة إلى المتمدرسين في الطور الابتدائي، بالتالي كأم وقبل أن أكون مختصة أرطفونية، أوجه دعوة إلى كل الأولياء لمصاحبة أبنائهم والتواصل معهم، لأن المجتمع الجزائري يفتقر للقدوة الحسنة، لتجنيب أبنائنا التدخين، وتعلق؛ «مادام المعلمون والأطباء وغيرهم من المتعلمين والمثقفين يدخنون، وفي ظل عدم تطبيق القانون الخاص بمنع التدخين في الأماكن العمومية بصرامة، تبقى محاربة هذه الظاهرة صعبة، لكنها غير مستحيلة».