يعد نصر الدين بسجراري أحد اللاعبين البارزين الذين صنعوا أمجاد فريق مولودية وهران لكرة اليد، إذ يكفي تصفح أوراق الماضي الرياضي التليد لهذا النادي، لنقف على مساهماته الكبيرة في حصد الألقاب العديدة التي رصعت الزي "الحمراوي" طيلة سنوات، وخاصة في فترة الثمانينيات التي كانت فترة عز كرة اليد الوهرانيةوالجزائرية بشكل عام، وقد ارتبط اسم بسجراري بمولودية وهران، التي أحبها منذ صغره ووفق في تجسيد حلمه بحمل ألوانها، ولا يزال يحلم بتحقيق انجازات أخرى... بسجراري كان ضيف جريدة "المساء" للحديث عن هذه المسيرة الرياضية الحافلة، فكان هذا الحوار...
- المساء" : كيف كانت البداية مع كرة اليد؟ * بسجراري : بدأت ممارسة كرة اليد صغيرا بمدرسة نقاز الهواري بحي سيدي البشير (بلاطو) موسم1971/1972، بعد ذلك تنقلت الى فريق الحديد والصلب بوهران، وأمضيت به أول اجازة لي وكان هذا سنة 1975 لأغير الوجهة نحو النادي الجامعي لوهران سنة 1976، كنت في صنف الأشبال، ورغم تواجدي في هذه الفئة الا أنني اقحمت رفقة الأكابر في مباراة لحساب الدور نصف النهائي من كأس الرابطة الجهوية الغربية لكرة اليد ضد نادي معكسر، وكان مدربي آنذاك السيد داني قويدر. - وكيف التحقت بمولودية وهران؟ * اكتشفني مسيرو مولودية وهران عندما كنت بالنادي الجامعي لوهران، والتقت رغبتي بالالتحاق بهذا الفريق العريق برغبة مسيريه في تشكيلة فريق الأواسط، وكانت فكرة المدرب مكي الجيلالي، استدعوني لإجراء تجارب وأنا لازلت شبلا وتم ذلك رفقة 25 لاعبا من بينهم حراث عز الدين، بن سنوسي، برمضان حكيم الذي كان حارس مرمى، وكذلك بن درة وحميدة الذي يمتهن التعليم حاليا، بالإضافة الى لاعبين آخرين قدموا من بلدية السانية وبلديات أخرى، ووفقت في هذه التجارب لأقحم مباشرة في صنف الأواسط. - لتبدء في تدوين مسيرة حافلة مع المولودية... * نعم، هو كذلك، بعد عامين قضيتهما في صنف الأواسط ارتقيت الى فئة الأكابر وكان متبقيا لي سنة واحدة أخرى مع الأواسط. "المساء" : ومتى أصبحت أساسيا مع الأكابر؟ * بسجراري : انتظرت الى غاية موسم 83 1984، لأنني وجودي قبلها تزامن مع وجود لاعبين كبار من أمثال بن جميل، مصطفى دوبالة، موسى الواني، عز الدين حراث، سهولي، جمال حراث، بسباس ومحروز، وكلاهما حارس مرمى، فكان عسيرا على مزاحمة هؤلاء. - وكيف استطعت فرض نفسك وسط هذه الكوكبة من النجوم؟ * بالعمل والصبر، لأنه بدون عمل لا يمكنك بلوغ هدفك، وهذا ما جلب لي التألق في السنوات الموالية. - هل يمكن القول أنك حققت حلمك بتواجدك في نادي مولودية وهران؟ * نعم، كان حلما منذ صباي وتجسد مع مرور السنوات حتى أصبحت أساسيا وأنا في سن ال39. - ودائما بزي مولودية وهران، هل هو وفاء لها؟ * نعم، وفاء لها، لأني أحب هذا الفريق كثيرا. - لكن هذا الوفاء الكبير للمولودية لم يمنعك من خوض تجربة احترافية، أين كانت؟ * فعلا، كانت سنة 1991 بفريق روان الفرنسي من القسم الثاني، كنت اللاعب المدلل ليس من قبل رئيس هذا الفريق فحسب، بل من رئيس بلدية روان، لكني لم أستمر مع هذا النادي طويلا فقررت العودة إلى الجزائر. - وارتميت مجددا في أحضان المولودية الوهرانية؟ * نعم، المولودية مباشرة، رغم أني تلقيت عرضا من نادي الدوحة القطري فرفضته لثالث مرة (88، 93، و1999). - وبعد ذلك؟ * أصبحت مدربا للمولودية. - مباشرة بعد اعتزالك اللعب؟ * لا، لم أعتزل اللعب كنت مدربا ولاعبا. - ومتى حدث ذلك؟ * في موسم 1999/2000 ، حيث كنت أدرب لاعبين على غرار زيان الحارس عليوة وأسماء أخرى، لكن بعد موسم واحد توقفت عن اللعب نهائيا. - لتتفرغ كليا لمهنتك الجديدة؟ * داومت على التدريب لموسم آخر2000/2001، لأتوقف بعده ولمدة ثلاث سنوات. - وما السبب في اتخاذك هذا القرار؟ * لقد واجهت مشاكل كبيرة في مولودية وهران وخاصة منها المالية، ما أدى إلى حرمان اللاعبين من أجورهم، وهذا شيء غير محفز، ولا يمكن لأي مدرب العمل في هذه الظروف الصعبة، خصوصاإن كان يدرب فريقا يسعى إلى تفادي السقوط. - هل يمكن اعتبار هذه الفترة بداية تدهور مستوى مولودية وهران، أم أن ذلك يعود الى الفترة التي تلت الإصلاح الرياضي؟ * أنا أرى أن مستوى المولودية بدأ في التدني منذ سنة 2000، حين سقطت من القسم الوطني الأول في عهد الرئيس السابق مزيان مراد، لأن اللاعبين لم يتحصلوا على مستحقاتهم، ما دفعهم الى تغيير الوجهة، ليتحمل المدرب علي مولا آنذاك مسؤولية اللعب بلاعبين من فئة الأواسط.. مدعيا قدرته وقدرة هؤلاء على تجنب السقوط، لكن وقع ما كان يخشاه الجميع وسقطت المولودية، وأنا أحمل هذين الشخصين مسؤولية ذلك. - وكيف ولجت علم التسيير في المولودية؟ * تكفلت بأمور التسيير بطلب من رئيس الفريق يوسف جباري ورئيس فرع كرة اليد عبد القادر بلعالية، اللذين وضعا الثقة في شخصي حتى أعمل على استعادة اللاعبين الذين غادروا الفريق الى وجهات مختلفة، وهؤلاء عندما سمعوا بمجيئي عادوا وتقمصوا زي المولودية من جديد، وكانت وقتذاك في قسم ما بين الرابطات الجهة الغربية، واستطاعت بلوغ مقابلات السد رفقة مولودية بلدية سعيدة. - مولودية وهران كانت محظوظة بالتواجد في القسم الوطني الثاني وسط غرب بعد تغيير نظام المنافسة بجاية هذا الموسم؟ * يجب طرح السؤال، لماذا تغير هذا النظام؟ ببساطة، أرى أن الاتحادية الجزائرية صححت خطأ ارتكتبه عندما حذفت القسم الوطني الثاني من نظامها السابق، ما جعلنا نخسر موسمين، أقصد فريقنا مولودية وهران وحتى فريق سعيدة، وعموما النظام الجديد أفادنا كثيرا. - ألا ترى معي يا بسجراري أن مولودية وهران بمستواها الحالي، لا تستطيع اللعب على الارتقاء ومجابهة فرق قوية بالقسم الأول؟ * نعم، مولودية وهران هذا الموسم ليس بإمكانها مجابهة فرق القسم الوطني الأول، حاليا نحن نلعب من أجل البقاء وتحتم علينا ذلك، بعد أن غادرتنا مجموعة من اللاعبين بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية، مثل عبد المؤمن هواري، عثمان كلوشة، لحوالي، وكذا الحارس عليوة، الذي انقطع عن التدريب معنا لنفس السبب. - لكن هذه المستحقات المالية لم تكن بالشيء الكبير؟ * مسؤولو مولودية وهران همهم الأول والأخير كرة القدم، وهذا هو السبب لا غير. - أصبحت المولودية تحقق نتائج ايجابية في مجموعة البقاء، هل هذا راجع الى التحفيزات المالية؟ * هذه النتائج المشرفة حققت بفضل لاعبين من أمثال سيد أحمد طاب، بوزياني، خير الدين مازاري، غنو والحارس فوزي وغيرهم، فأنا أعتمد عليهم رغم أنهم لم يتقاضوا لا أجرة شهرية ولا منحة إمضاء، باستثناء منح المقابلات، وحتى هذه لا يتحصلون عليها بانتظام إذ لا يزالون دائنين بعدد منها. - وكيف ترى المخرج؟ * بقيت أمامنا ثلاث مواجهات، سنعمل من خلالها على ضمان بقائنا في القسم الوطني الثاني، وبعدها سنطالب رئيس الفريق بتسوية جميع مستحقات اللاعبين. - إذن، أنتم تلعبون "نيف" كما يقال؟ * نعم، نلعب "نيف" حتى لا تسقط المولودية في عهدنا... - وما العمل؟ * حتى تعود مولودية وهران إلى سالف عهدها، يجب توفير مجموعة من عوامل النجاح، يتصدرها الاعتناء باللاعبين بتخصيص أجرة شهرية لهم، وبهذه الطريقة سنوفق حتما في استعادة كل اللاعبين الذين غادروا المولودية خلال السنوات السابقة، وبذلك نستطيع اللعب على الصعود الى القسم الوطني الأول العام القادم، القضية مالية بالأساس. - البعض يرى أن عودة مولودية وهران الى الصفوف الأولى، مرتبط بعودة لاعبيها القدماء الذين نفروا منها ما قولك؟ * هذا صحيح، فنسبة كبيرة من هؤلاء اللاعبين القدماء، إن لم أقل جلهم ابتعدوا من الفريق، وأضحى كل واحد منهم منشغلا بمصالحه لشخصية، لكن في شق ثان علينا البحث في الأسباب، وأرى المشاكل المتلاحقة خلال السنوات الماضية هي سبب الرئيسي في ابتعادهم عن المولودية. - كيف يتراءى لك مستوى كرة اليد الجزائرية حاليا؟ * المستوى الفني انخفض كثيرا مقارنة بالمواسم المنقضية التي كنت أزاول فيها اللعبة. - وما هي أسباب هذا التدني برأيك؟ * عدم التكفل التام بالأندية واللاعبين، ولنا في فترة الإصلاح الرياضي أبرز مثال. - وماذا عن التكوين؟ * نعم، والتكوين كذلك، بدليل أن الأندية عندما أهملت هذا الجانب تراجع مستواها بشكل كبير وأنا أتكلم بصفة عامة. - وما رأيك في الفريق الوطني في عهد المدرب كمال عقاب؟ * مع المدرب كمال عقاب ارتقى مستوى الفريق الوطني، حيث اقتطع تأشيرة التواجد في نهائيات كأس العالم القادمة، فعقاب قادم من رحم كرة اليد، صاحب مهمة ويحسنها، وأبان عن ذلك في تونس والتتويجات العديدة التي حققها مع فريق النجم الساحلي، أتمنى أن يتركوه يعمل، وأنا متأكد أنه سيذهب بعيدا بالفريق الوطني، بدءا بنهائيات كأس العالم، التي أتمنى أن يجتاز فريقنا الوطني الدور الأول فيها، وحتى الدورة التأهيلية للأولمبياد التي سبقت رغم صعوبتها إلا أنها فرصة مهمة ومفيدة. - وبرأيك كيف يتسنى لكرة اليد الجزائرية استرجاع بريقها الضائع؟ * أولا عودة أهل وأبناء كرة اليد إليها، وهذا شيء مهم جدا لأنهم سيتفانون في خدمتها، كما ان اهتمام السلطات المحلية في كل ولاية من ولايات الوطن سيرفع من شأنها، لا الاقتصار على مد يد العون ورعاية كرة القدم فقط، وأصارحك دون نفاق، أنني كنائب لرئيس فرع كرة اليد المولودية وهران لا أعرف الميزانية المخصصة لهذا الفرع... - نعود إلى مسيرتك الرياضية، نصر الدين، كيف كان شعورك وأنت تحوز على أول لقب في مشوارك الرياضي؟ * أتذكر تلك الفرحة الغامرة التي عمت دواخلي، كان ذلك سنة 1982 بمناسبة حصول مولودية وهران على اللقب الوطني، كما أتذكر أنني لم أكن لاعبا أساسيا. - وهل الفوز بهذا اللقب هو أحسن ذكرى لديك، أم هناك أخرى؟ * كل الألقاب التي رصعت بها نفسي، هي أجمل ذكرى لدي، لكن الأجمل يبقى ذلك اللقب الإفريقي الذي تحصلت عليه المولودية ببور سعيد (مصر) سنة 1987 - وأسوأها؟ * عندما خسرنا اللقب الإفريقي المتمثل في كأس إفريقيا للأندية البطلة هنا بوهران سنة 1988 أمام مولودية الجزائر بفارق الأهداف. - هل من إضافات؟ * أشكر جريدة "المساء" المحترمة على استضافتها لشخصي، وأنا مسرور جدا بهذه الفرصة التي منحتها لي. - وكلمتك الأخيرة؟ * هي عبارة عن نداء لكل غيور على رياضة كرة اليد قصد الاهتمام بها أكثر في الجزائر، وخاصة في منطقة الغرب، اين انحدر مستوى هذه اللعبة، وبقيت المولوديتان السعيدية والوهرانية تصارعان لوحدهما، وأتمنى استعادة كرة اليد الجزائرية لبريقها السابق.