أحيت جمعية مشعل الشهيد أمس بمقر جمعية جريدة المجاهد ذكرى هجومات "موريان" التي دارت رحاها بمرسيليا والتي كانت تهدف إلى نقل الثورة إلى أرض العدو، وإسماع صوت الجزائر عاليا عبر العمليات المسلحة المنظمة، ناهيك عن اقحام فئة المغتربين بشكل أوسع في صفوف الثورة. أسهب الدكتور عبد المجيد شيخي مدير المركز الوطني للأرشيف في الحديث عن هذا التاريخ المصادف ل 23 و24 أوت من سنة 1958 والذي كان منطلقا لعملية نقل الثورة إلى أرض العدو في عقر داره، علما أن فرنسا شهدت بعض الأحداث والعمليات الفدائية بشكل مستمر قبل هذا التاريخ. الأستاذ شيخي استعرض قبل الحديث عن هذه العمليات تاريخ الجزائر، مؤكدا أن الثورات لم تهدأ منذ أن حلّت فرنسابالجزائر ذلك أن الأعراف والقوانين والأخلاق تقول أن الأرض المستعمرة هي أرض مفتوحة للحرب وأن الحرب لا تنتهي رسميا إلا إذا زال الاستعمار منها رسميا. وتوقف الأستاذ شيخي مطولا عند نضال الجالية الجزائرية المغتربة والتي فتحت بتكليف من الثورة جبهة أخرى للكفاح المسلح والسياسي وهكذا امتدت رقعة الحرب بين ضفتي المتوسط ليتحول التراب الفرنسي إلى قاعدة خلفية للثورة وجبهة مباشرة للحرب. وكان الهدف من نقل الثورة إلى فرنسا لتخفيف الضغط الذي يفرضه الجيش الفرنسي على الجزائر علما أن فرنسا نزلت إلى الجزائر بكامل ثقلها العسكري الى درجة أنها عجزت في وقت ما حتى عن ردع تمرد المظليين الفرنسيين المنشقين والمتمردين على حكومة ديغول في سنة 1960 والتي هددت باحتلال مطار باريس. ومن أسباب نقل الثورة الى فرنسا هو أن هذه الأخيرة كانت المنطلق للحركة السياسية الجزائرية بعد الحظر الذي مورس عليها داخل الجزائر الى غاية سنة 1945، كما كانت دار الهجرة مهيكلة لتحمل عبء العمل السياسي والعسكري والفدائي، كما أن أي هجوم أو عمل عسكري فيها سيكون له صداه العالمي نتيجة الثقل الإعلامي الفرنسي والعالمي المتواجد بها ليصل بعدها الأستاذ عبد المجيد شيخي الى الضربة القوية التي قسمت ظهر السلطات الفرنسية آنذاك والمتمثلة في عملية "موربيان" بمرسيليا والتي تخص ميناء هاما ومحصنا من الناحية الأمنية لا يجرؤ أحد على دخوله وهذا ما أعطى فخرا للفدائيين الذين تغلغلوا إليه وفجروا خزانات البترول بكل عبقرية وبأساليب عسكرية راقية تعطي الانطباع بمدى الخبرة والفنية العسكرية والحربية للثورة على عكس ما تروج له فرنسا بأنهم مجرد قطّاع طرق. وحضر لقاء أمس المجاهد رابح بوعزيز وهو أحد المخططين لهذه العملية الذي اعتبر أن الاستقلال الذي تعيشه الجزائر هو أكبر انتصار. وأشار السيد بوعزيز أن هذه العمليات تقررت في مؤتمر الصومام سنة 1956 (من طرف بن مهيدي وعبان رمضان) وكان الهدف منها خلق حالة اللاأمن بفرنسا ولفت انتباه الرأي العام العالمي لما يجري بالجزائر، وأيضا جلب المغتربين الى صفوف الثورة وإلى جبهة التحرير بعد حالة التردد التي عاشوها خاصة مع الدعاية المضادة التي قادها ميصالي الحاج، وبالفعل زال اللبس وانخرط المغتربون الجزائريون وقدموا حياتهم فداء لله والوطن سواء داخل فرنسا أو على أرض الجزائر. وقد كلف السيد بوعزيز من طرف إطارات الثورة بفرنسا (بوكروف، بومنجل، حربي وعدلاني) بهذه المهمة الحربية، وبنى السيد بوعزيز المخطط عبر عدة فرق للمراقبة، والمعلومات للرصد والتحرك ومعاينة المكان، علما أن للثورة عيونها في كل المواقع الاستراتيجية الفرنسية كالأمن والاتصالات وغيرها واستمرت المراقبة والتخطيط لشهور لتثبت العملية بأن الجبهة قادرة على الوصول الى أي مكان والقيام بضربة موجعة، علما أن هذه العملية كانت عملية عسكرية وليست عملية فدائية فردية، وقد لاقت هذه العملية تغطية إعلامية واسعة خاصة وأن عمدة مارسيليا أصيب فيها، وكان من المفروض أن تستمر هذه العمليات عبر مواقع أخرى منها المصانع الحربية إلا أنه تقرر تحويلها الى عمليات فدائية فردية. وعلى هامش الحديث عن عملية "موربيان" تطرق السيد بوعزيز إلى عملية خطط لها والخاصة بقتل شكال الذي نصبته فرنسا رئيسا للجزائر ليمثلها في المحافل الدولية إلا أن الجبهة قتلته في وضح النهار أثناء مقابلة كروية كان يحضرها الى جانب الرئيس الفرنسي "رونيه بوتييه"، هذا الأخير لم تستهدفه العملية لقناعة الثورة بتصفية الخونة، وأنها لا تقتل فقط من أجل القتل لأنها ثورة ذات مبادئ، نفس هذه المبادئ جعلت الثورة تعطي أمرا للذين قاموا بالعملية بأن لا يقاوموا عند القبض عليهم كي تعين لهم الجبهة محامين للدفاع عنهم والأهم الدفاع والتعريف بالثورة التحريرية. ذكريات أخرى لم يتسع لها الزمان ولا المكان ملأت وجدان هؤلاء الذين اعترف لهم العدو قبل غيره بالعبقرية التي تفوق حدود الاستيعاب الآدمي.