هكذا وجد سليم ميلودي نفسه يتيه بين الكلمات وتغزو الخواطر والأشعار سفينة روحه، فكأنما وجد من أجل أن يكتب في حب الوطن وللإنسان. "آفاق" فتحت أحضانها وأجرت معه هذا الحوار. - من هو الشاعر؟ — الشعر هو الشاعر، الآلة الموسيقية للروح، من يعزف عليها يفوق سطوه الذوق، ومن يسمع لحنها يعتلي سلم الأدب، دون إجازة أكاديمية، أما سليم ميلودي فهو عاشق حرف لم ير أنه يتشرف بلقب شاعر بعد، من مواليد السبعينيات، لم يتمم دراسته الجامعية لأسباب خاصة، أقام بين بيروتودمشق لما يقارب الأربعة عشر سنة، انتسابا لمهمة خصت في إطار عمل. شارك في أمسيات شعرية في دمشق وبالتحديد بكلية الأداب بجامعة دمشق، أين ألقى لأول مرة نصا شعريا على منصة تشرف بها، بنص تعنون ب "أنا الجزائري والجزائري أنا". - متى وكيف بدأت الكتابة؟ - أذكر أنني كتبت أيام الثانوية أمورا بسيطة لا تكاد تعبر عن مجرد شعور بالإحباط، إن صح التعبير، وبعدها، في أواسط سنوات التسعينات، حين كنت مقيما في دمشق، كان لي شرف لقاء بعض الوجوه والأقلام المتداولة تحت نظر القارئ العربي. - عندما تنتهي من الكتابة، بماذا تشعر؟ - -عند الانتهاء من كتابة أي نص، أشعر أنني أفرغت شحنة من ضغط أفكار تداولت الانتظار بمخيلة تنتفض تحت وطأة الرغبة في التعبير، شعور جميل يكاد أن يكون أجمل من أنك تلقى من ينتظرك بعد فراق، وأظن الشعور هنا أنك تقدم شيئا تنتظر الرد عليه بالإعجاب والتذوق. - دغدغة القلم أحيانا مخيفة، كيف وجدت نفسك مدفوعا إليها؟ — هنا أخالفك الرأي، لأنه من الطبيعي جدا أن تلك الدغدغة لا تلج إلا إذا توفر أمران؛ الزاد المعرفي والتجاربي. بهاتين الميزتين تكتمل في الكاتب خصلة التحدي والاندفاع ليس فقط من جراء دغدغة، بل يفوق الزمر إلى ذبذبات ضمير كل هزة تخص موضوعا ما، أما الاندفاع فذاك محيط نعيشه، ننقل منه تجارب البعض من الراسبين وتشريح نجاح بعض المتسببين في هدرجة هذا المحيط، كخلاصة الدفع من المحيط والنتاج إليه وعليه. - لحظات البوح عندك، متى تكون؟ — أنا ارتجالي بدرجة كبيرة، نصوصي أكتبها في مدة زمنية قصيرة جدا جدا، والفكرة التي لا أكتبها في حينها طالق بالثلاث لا رجعة لها إلي، أكتب وأنا بالمكتب، في السيارة، ليلا ونهارا، لا وقت محدد، ويبقى التوظيف الجيد للفكرة والقصير في الحجم من الطرق المنتهجة عندي. - هل استطاع الأدب عموما والشعر خصوصا، تجسيد القضايا الإنسانية في العالم العربي؟ — نعم، لكن اختلف الوضع عبر التاريخ، فجيل الستينيات والسبعينات إلى أوائل الثمانينات تحصّن بالقومية العربية إلى حد ما، حيث جعل من الطبقة المثقفة الأكثر منها أكاديمية أن تجسد هذه القضايا، أما ما تلاه فقد اعتلى الشعر العاطفي أو الأدب بصفة عامة، هامة العاطفة وحتى السيناريو، فقد شكله القومي أمام نسيج العاطفة، إلا أنه تخطى هذا الخط بعض من الأقلام التي بقيت تكابد مع القضية الفلسطينية، ومؤخرا خاضت أخرى صهيل الربيع المسمى بالعربي. - هل حققت القصيدة وظيفتها في التعريف بالقضايا الإنسانية؟ — نعم، إلى حد ما، فقد عالجت القصيدة القضية الفلسطينية بكامل جوانبها، وكذلك السياسية، وحين نقول السياسية يعني اليد الوصية على ما يكنى في اللسانيات بالإنسانية، وكان السابقون كأحمد مطر ونزار قباني وغيرهم من حط حجر الأساس في هذا المجال، فقدت القصيدة نوعا ما الوصايا على الطفولة، خصوصا على الهرم العائلي والتربوي في ضيق محدوديته. - ما مستقبل القصيدة العربية في ظل التحولات السياسية الراهنة؟ — مستقبل حقيقة تشوبه ضبابية، صحيح الجيل الجديد خطا خطوات جبارة في اعتلاء هرم الكتابة، خصوصا في الجزائر، وهناك أقلام إبداعية خاضت في هذا النحو بكتابات رائعة وملتزمة بتسليط الضوء على مختزليها وتشريحها بإبداع رائع، ولك في ذلك أستاذنا نور الدين عابد نصيب من التذوق والإمعان. - ما تقييمك للممارسة النقدية الثقافية في الجزائر؟ — عندما نقول الثقافة أو الأدب كنقد وكتابة في الجزائر، ندخل نفقا مظلما، فالناقد اليوم فقد شرعية النقد لأسباب كثيرة، بين قوسين، حين يختلط رحيق الأدب بعصارة من قلة الأدب، يجاز من لا حراك له في الميدان ويشنق إبداع بمقصلة ناقدين، ونسقط التعميم على هذا الأمر، فهناك نقاد متمكنين جدا، لم تصبهم بعد حمى المدح والتصفيق، وهؤلاء نور هم باهت نوعا ما، لكن ظاهر ويشكلون خطرا على الفئة الأخرى. - ماذا عن دواوينك؟ — هنا وجدتني وأجدني أتساءل؛ هل الشاعر بفكره، بقلمه، أم بديوانه؟ إذا كان بديوانه فأنا تنحيت عن هذه الصفة وتركتها لدور نشر تبنت نصوصا تفقدك في كثير منها شغف المطالعة، أما إذا كان الشاعر بشعره، فأكيد أن للديوان مطلعه بدون أية زوايا تظله أو جمركة تمنعه، عني أنا، إن شاء الله، بصدد التهيئة لأخرج كتابا يضم نصوصا في الشعر، تقمصت القضايا التي ذكرناها سالفا، ويرافقه في ذلك كتاب آخر لقراءة نقدية من أكفأ الوجوه في الجزائر. - ما هي رسالتك لجيل اليوم من الأدباء؟ — الأديب لا توصيه ولا ترسل له، فإن كان أديبا مطالعا فسيستحق لقب أديب، أما المعتلين مطي الأدب فأولئك يبقون في الحلقة المفرغة، أما فيما يخص التنظيم، فهو رص الصفوف والكف عن التضارب، فالأدب ليس سوق منافسة، بل عطاء فكري يخدم الجميع، وللذين يمثلون بلدهم في الخارج بأقل مستوى، فليتركوا النهج للمبدعين الأكفاء المرصوصين على صفحات الشبكة والمهمشين اهتماميا، وقولي وأنا مجرب ورأيت كيف يأخذ البيت والقصيد مع الحليب والغذاء، لأنه ضرورة لتستمر الحياة، لا تتسرع أيها المبتدأ، فحرفك دليلك وجوازك ومهما تأخرت عن الانبثاق فوق السطح، فرصيد نجاحك يحول إلى حساب وجودك الفكري لا محال. - كلمة الختام. — أشكر منبركم هذا، لمنحه لي فرصة الحديث والرد على أسئلتكم، ونتمنى أن يحظى كل مبدع بفرصة التعريف به والإشادة بقلمه، حقيقة أنا لا أصبو إلى أي ظهور، نحن نجتهد بحرفنا في حرمة الإبداع ولا نسعى لأن نعتلي الأضواء الفانية تحت غروب الكلمة الصادقة، كما أتمنى أنني وفقت في هذا الحوار وأعطيت شرحا لما سئلت عنه وأصدق المشاعر لشخصكم أستاذي نور الدين عابد وتقديري الوفير للمجهود المقدم من قبلكم.