تمكنت مصالح ولاية الجزائر خلال الأسبوع الماضي، من إزالة أكبر وأقدم سوق فوضوية بالعاصمة، لتحرير المكان من الفوضى الذي تسببت فيه الطاولات المنصوبة على مستوى الطريق العمومي، بقلب مدينة الحراش، وقد جرت العملية في هدوء، لم تصحبه احتجاجات وأعمال شغب، مثلما حدث بباب الوادي من قبل، ورغم أن هذا المكان أصبح منذ سنوات قبلة مفضلة للعديد من العائلات من داخل وخارج العاصمة بغرض التسوق، فإن مصالح البلدية لا تجني شيئا من جباية هذه المتاجر العشوائية المترامية الأطراف، وتعتزم مصالح الولاية تحويل التجار إلى السوق الجوارية التي هي في طور الإنجاز، وتطهير القائمة من الدخلاء، حسبما أكده رئيس بلدية الحراش، السيد مبارك عليق ل ''المساء". وقد أوضح رئيس البلدية أن هذه العملية مبرمجة منذ مدة، وأن التجار الناشطين بالسوق سيستفيدون من مربعات للبيع في السوق الجوارية الجديدة التي وصلت نسبة إنجازها إلى 80 بالمائة، وتضم 420 طاولة، ستوزع عند تسليم السوق على تجار المحلات والطاولات التي تمت إزالتها، مفيدا بأن إزالة السوق قبل انتهاء المرفق الجواري، طبيعي، كون هذه العملية ستمكن مصالح البلدية من تطهير القائمة التي تحصي 750 تاجرا كان ينشط في السوق، منهم 500 تاجر من أبناء البلدية، هؤلاء الذين سيتم تطهير العديد منهم، كونهم موظفين في مؤسسات أخرى، وينشطون في نفس الوقت في ميدان التجارة، كما أفاد السيد عليق بأن والي العاصمة، السيد عبد القادر زوخ، أوصى بتسريع إزالة السوق والانتهاء من مشروع السوق الجوارية. وقد نزل قرار إزالة سوق بومعطي ببلدية الحراش كالصاعقة على التجار، لاسيما أصحاب الطاولات الفوضوية، لكن في المقابل أثلج صدور السكان المجاورين لهذا المرفق الهام، لأنهم سيتخلصون من الإزعاج الدائم الذي يتسبب فيه الباعة والمتسوقون في آن واحد، إلى جانب التجاوزات والاعتداءات الأخرى، وأفاد أحد قاطني السكنات الاجتماعية المجاورة، أنهم محرومون من فتح نوافذهم وشرفاتهم خلال النهار، لأنهم يسمعون ما لا يرضون من الكلام البذيء جراء الشجارات الدائمة، ورغم شكاوى السكان لدى مصالح البلدية والشرطة، إلا أن الأمور لم تتحسن وبقيت تراوح مكانها، وبقي السكان يكابدون مشاق سوق لا يجنون منها إلا القلق والمتاعب. الجرافات تمسح بقايا السوق... عندما زرنا مكان سوق بومعطي بالحراش صباحا، وجدنا بعض الجرافات والشاحنات تستكمل تجريف ونقل الردوم وبقايا العلب الكرتونية والبلاستيكية والنفايات المعدنية، ويبدو لكل من يمرّ بهذه البقعة التجارية التي عمّرت لسنوات طويلة، كأن زلزالا قويا دك المكان دكا، فجعله في "خبر كان"، كما يقال. ولاحظنا بعض التجار الفوضويين في حيرة من أمرهم، حيث تجمع بعضهم وراحوا يتحدثون بلهجة اختلطت فيها عبارات السخط والانتقاد إزاء هذه العملية التي قضت على رزقهم- كما قال أحدهم- وأوقفت نشاطهم في رمشة عين، أما التجار فكان البعض ممن فتحوا محلاتهم تظهر على أوجههم علامة التأسف، كونهم لم يجدوا زبائنهم المعتادين الذين كانوا يقبلون بكثرة على محلاتهم، وفي هذا الصدد، ذكر لنا بعضهم أن تجارتهم انتهت بنهاية السوق وطاولاته، وأن العديد منهم سيتوقفون عن النشاط. الفرصة مواتية لجامعي النفايات المعدنية وفي الوقت الذي كانت الجرافات تدفع بمقدماتها أطنان النفايات والردوم، كان العديد من الشبان يعتلون كومات البقايا لإخراج النفايات المعدنية من صفائح وأعمدة لبيعها لمصدريها نحو الخارج، مستعملين السيارات النفعية التي اصطفت بالقرب من السوق، مثلما يفعلون في مواقع تهديم السكنات الفوضوية، وتعد هذه المناسبة مواتية لهم، لتحصيل بعض الأموال التي قد لا يجدونها في غيرها من الأيام، وقد أكد أحد سكان حي 60 مسكنا الواقع قبالة السوق، حيث كان أحد أقاربه يسترزق من هذه العملية، أن أغلب الشبان الذين يسكنون بالجوار والذين كانت لهم طاولات في السوق، راضون بإزالتها، لأنهم يعلمون أن الطاولات التي تقوم مصالح البلدية بإنجازها ضمن السوق الجوارية بالقرب من محطة الحافلات ببومعطي، ستكون موجهة بالخصوص لأبناء البلدية، وأن العديد من جامعي النفايات كانوا ينشطون في السوق، وأنهم يغتنمون هذه الفرصة، في انتظار استفادتهم من نشاط منظم لاحقا. تجار الجملة: قرار إزالة السوق نزل علينا كالصاعقة لم يهضم تجار الجملة الذين تحيط محلاتهم بالسوق، قرار إزالة هذا المرفق الذي عمّر لسنوات طويلة، حتى ذاع صيته في عدة ولايات أخرى، وصار مكانا للتبضع بالجملة والتجزئة، وذكر لنا أحد تجار الجملة، مختص في بيع مواد التجميل ويشتغل في المكان لمدة 12 سنة، أن هذا القرار نزل عليهم كالصاعقة، رغم أنهم كانوا متيقنين من أنه سيأتي اليوم الذي يتم خلاله إزالة فوضى الطاولات، وحسب محدثنا، فإن عشرات الطاولات المنتشرة بالجوار تعد الزبون الأول له ولأمثاله، وأنه بتوقف نشاط هذه الطاولات ستقل مداخيله، رغم ارتفاع سعر كراء المحلات الذي يترواح بين 9 و15 مليون سنتيم شهريا، فضلا عن فواتير الضرائب، وغيرها من المصاريف. وأكد مصدرنا أن أغلب التجار سيغادرون المكان، لأنهم سيتكبدون خسائر كبيرة، وعندما سألت التاجر المذكور عما إذا كانت هذه الطاولات تزعج السكان وتساهم في تلويث المحيط، لم يخف محدثنا ذلك، مشيرا إلى أن سلبيات هذا النشاط يتمثل في كونه لا يحترم مختلف المعايير الحضرية والاجتماعية، وأن أصحاب الطاولات يبعثرون في آخر اليوم نفاياتهم في كل مكان، ويحتلون حتى أمكان ركن السيارات المخصصة لأصحاب المحلات وسكان الحي. محلات الجملة ستغلق أبوابها بسبب الكساد سألنا إحدى البائعات عن مصير التجارة بهذا المكان، فأكدت لنا أن محلها لم يدخله أحد إلى غاية منتصف النهار، وأن صاحب المحل الذي يملك محلات أخرى بالجوار، اختلطت عليه الأمور، وأنه سيضطر إلى تقليص نشاطه، ولا يبقى في وسعه إلا بيع منتوجاته بالجملة لأصحاب المحلات بمختلف بلديات العاصمة، أما البيع بالتجزئة فقد مات بموت السوق، مشيرة إلى أن مئات العائلات كانت تؤم محلات مستخدمها، خاصة في نهاية الأسبوع، لاقتناء ما يلزمها من ألبسة جاهزة، قائلة: "لكن كما ترى، المحل خاو اليوم من الزبائن". محطة المسافرين شبه فارغة والناقلون في حيرة من جانب آخر، ألقت عملية إزالة سوق بومعطي بظلالها على محطة المسافرين المجاورة التي غزتها التجارة الفوضوية وصارت تزاحم المسافرين في مختلف الأرصفة، وقد وقفنا على صور بقايا الطاولات المحطمة بالمحطة، حيث كانت قلة من المسافرين الذين قصدوا المكان يتخطونها بحذر، أما الناقلون فقد لحقتهم آثار العملية التطهيرية، ومن المتوقع، حسب أحد الناقلين، أن تتغير خارطة الخطوط، إذ سيطالب العديد من الناقلين تغيير وجهاتهم نحو مناطق أخرى أكثر مردودية، وأكد آخرون أن فوائدهم ستقل بلا شك مقارنة بالأيام الماضية.