انتقل أمس إلى رحمة الله، الشيخ أحمد سرّي، أحد أعمدة الطرب الأندلسي عن عمر ناهز ال89 سنة، وستشيع جنازة الفقيد اليوم بعد صلاة الظهر بمقبرة سيدي يحيا بالعاصمة. يعتبر الفقيد من أعمدة الفن الأندلسي بالجزائر، وقد كرّس حياته لجمع هذا التراث وإعادة بعثه بين الأجيال، الأمر الذي أكسبه السمعة والمقام العالي وأسمى التكريمات، كان ذروتها وسام الاستحقاق الوطني. ولد الأستاذ سيد أحمد سري يوم 03 نوفمبر 1926م بحي القصبة بالجزائر العاصمة، شغف منذ صغره بالموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، ولكن الذي كان له الأثر البالغ في مساره الفني هو تعلقه بجده لأبيه الذي كان مقدم فرقة العيساوة، يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس عشر بمكناس من طرف سيدي محمد بن عيسى.درس على يد الشيخ البشير البوزيري في المدرسة القرآنية، حيث تعلم مبادئ ترتيل القرآن الكريم وإلقاء للإنشاد الديني وحفظ القصائد. وكان يصاحب الشيخ محمد بنوبية معه ليحيي حفلات إنشاد أيام عيد المولد النبوي الشريف بمزار سيدي عبد الرحمان الثعالبي بحي القصبة، وسيدي امحمد بحي بلوزداد. التحق بجمعية الأندلسية عام 1945م وبجمعية الحياة بين عامي 1945م و1946م. وخلال عام 1946م، وبنصيحة من صديقه يوسف خوجة، التحق بجمعية الجزائرية ودخل مباشرة إلى فصل المتفوقين فيها تحت قيادة الأستاذ عبد الرزاق فاخرجي.وبالموازاة مع ذلك، وخلال عامي 1946م و1947م، سجل بالكونسيرفاتوار لمدينة الجزائر، بعدها قام الأستاذ بودالي سفير، رئيس مصلحة البرامج الإذاعية باللغة العربية والأمازيغية وبعد ملاحظته لسيد أحمد سري وإعجابه به، بمنحه أول فرصة له للظهور كمطرب تصحبه فرقة الصنعة، وكان ذلك يوم 26 ديسمبر 1948م، ومن يومها أصبح ظهوره من خلال الإذاعة بشكل دوري ثم التلفزيون بعد ذلك. شغل الراحل منصب أستاذ نائب (1952)، وكان ذلك في جمعية الجزائرية الموصلية (الجمعيتان المتحدتان)، وذلك لإدارة والإشراف على الفصول التي بقيت وفية لهذه الجمعية، وبقي يشغل هذا المنصب إلى غاية 1956م. شغل منصب القيادة لهذه الجمعية عام 1972م، أيام الإعداد للمهرجان الثالث للموسيقى الأندلسية الجزائرية، وقام من خلالها بتكوين فرقة موسيقية قوية تعد من أقوى الفرق الموسيقية الأندلسية الحديثة في القرن العشرين، واستمر مديرا لها لمدة 15 سنة. عام 1988م، وبعد خروجه من جمعية الجزائرية الموصلية، قام بتأسيس جمعية جديدة تحت اسم الجزائرية الثعالبية، وانتقل معه العديد من تلاميذه إلى الجمعية الجديدة، وبعد جولات فنية عديدة لهذه الجمعية داخل وخارج الوطن، تم توقفها نهائيا عام 1992م. خلال عامي 1970م و1980م كان يشغل إضافة إلى مهامه الأخرى، منصب مدرس بالمعهد الوطني للموسيقى. إضافة إلى تسجيلاته وأعماله لصالح الإذاعة الجزائرية والتلفزيون الجزائري والحفلات العامة والخاصة، هناك تسجيلات أخرى للأستاذ سيد أحمد سري سجلها منذ سنة 1952 وتبلغ 7 أسطوانات. إضافة إلى ذلك، فإن الأستاذ سيد أحمد سري اهتم ولسنوات عديدة بالكتابة في الصحف الوطنية حول الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية بشكل عام ومدرسة الصنعة بشكل خاص، وقدم مقالات مهمة حول الأساتذة الأعمال الموسيقية الجمعيات مستقبل الموسيقى الأندلسية الجزائرية، وغيرها من المقالات. تخرج على يده الكثير من الفنانين والمطربين والموسيقيين من أشهرهم: زروق مقداد، زكية قارة تركي، حبيب قرومي. وأيضا من تلاميذه الأستاذ عثمان دلباني، مشرف قسم الموسيقى الآلية بمنتدى سماعي للطرب العربي الأصيل على شبكة الأنترنت. تذكر "المساء" ذات يوم عندما طلب منه الشيخ الراحل عبد الرحمن الجيلالي أن يؤدي المدائح الدينية الأندلسية الجزائرية بمسجد قرطبة بالأندلس (جنوب إسبانيا) قصد إعادة بعث المجد الذي تركه المسلمون هناك. فألف رحمة على آخر ما تبقى من شيوخ التراث الجزائري العتيق.