قدم البروفيسور والباحث في مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية، مراد بوكلة، تصورا نقديا للسياسة الفلاحية المعتمدة في الجزائر، وأكد أن برنامج الدعم الفلاحي كان طموحا غير أن نتائجه لم تبلغ الأهداف المسطرة. وحاضر السيد بوكلة، سهرة أول أمس، بمقر مؤسسة فريدريك ايبرت غير الحكومية الألمانية بالعاصمة حول "السياسة الفلاحية، التبعية والأمن الغذائي" واستعرض جميع الجوانب المتعلقة بتطور السياسة الفلاحية في الجزائر من 1900 إلى غاية الشروع في تنفيذ برنامج التنمية الفلاحية في سبتمبر 2000 في خطوة ترمي إلى النهوض بالقطاع الفلاحي باعتباره أهم محرك للاقتصاد من جهة وكذا لكون قضية توفير المواد الغذائية للساكنة يعتبر من المسائل الاستراتيجية. وفي تقييمه للبرنامج الوطني للتنمية الريفية والفلاحية قال إن المشروع يعد طموحا جدا بالنظر إلى الأهداف المسطرة، وأهمها ضمان المواد الفلاحية المنتجة محليا وبعث زراعات غير موسمية والمراهنة على التصدير للخارج. ولكن هذه الأهداف وبعد مرور سبع سنوات من تطبيق البرنامج تبقى محتشمة، كونه لغاية اليوم لم يتم إنشاء سوى 300 ألف مستثمرة فلاحية، وتم استرجاع 500 ألف هكتار من الأراضي بما في ذلك المساحات التي تم استصلاحها. وأضاف أن هذا البرنامج لم يضع حدا لارتفاع فاتورة استيراد المواد الغذائية والتي بلغت 6 ملايير دولار، ومن المرتقب أن تبلغ 15 مليار بحلول عام 2015. ولاحظ الباحث بوكلة في دارسته أن ضمان الأمن الغذائي للجزائريين مقرون بالتنمية الاقتصادية الشاملة، حيث لا يمكن خلق قطاع فلاحي قادر على ضمان كل احتياجات المواطنين دون أن تكون هناك آلة اقتصادية قائمة. ودعا المحاضر إلى وضع تصور متكامل للنهوض بالفلاحة في الجزائر تأخذ بعين الاعتبار جميع المتغيرات الوطنية والعالمية. وأشار إلى أن هناك عدة عوامل داخلية تستدعي اليوم معالجة جدية لقضية الأمن الغذائي، منها تزايد الطلب الوطني على الغذاء بسبب تغير العادات الغذائية للمواطنين من خلال تمركز أغلبهم في المدن حسب نتائج الإحصاء الأخير للسكان الذي بيّن تمركز أكثر من 80 بالمئة في المدن الحضرية، وهذا الوضع خلق وضعا جديدا يتمثل في ارتفاع الميزانية العائلية المخصصة للاستهلاك، حيث تتراوح ما بين 55 و60 بالمئة من ميزانية العائلة شهريا في حين تتراوح هذه النسبة في فرنسا مثلا ما بين 15و17 بالمئة فقط. وعاد رئيس فريق بحث في مجال الصناعات الغذائية في مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية المتواجد مقره بجامعة بوزريعة بالعاصمة في تحليله لأسباب تراجع الاعتماد الفلاحي وتحول الاقتصاد الفلاحي في البلاد إلى اقتصاد قائم على الاستيراد، وربط ذلك بعدة عوامل منها فترة الاستعمار التي قسمها بدورها إلى مرحلتين الأولى من 1900 إلى 1950 حيث انخفض إنتاج الحبوب من 4 قناطير للهكتار في بداية القرن العشرين إلى قنطار واحد سنة 1950 وتميزت هذه الفترة باهتمام المعمّرين على زراعة الكروم، أما الفترة المرحلة الثانية فهي تلك الممتدة من 1950 إلى 1959 حيث عرفت تراجعا كليا للنشاط الفلاحي خاصة بعد اكتشاف البترول. وكانت مداخيل المحروقات سنة 1963 أعلى من مداخيل الصادرات من المواد الفلاحية، مما دفع بالسلطات إلى عدم منح القطاع أهمية أكبر، أما في سنة 1967 فقد أصبح القطاع في يد الدولة وسطرت برامج خاصة لكن دون أن تحقق النتائج المرجوة بالنظر إلى تفوق الجباية النفطية على الجباية الفلاحية. وخلص البروفيسور بوكلة إلى القول أن القطاع الفلاحي في الجزائر تواجهه أربعة تحديات هي الحفاظ على الأراضي الفلاحية وإعادة تحديد حقوق الملكية والاستغلال وإقامة علاقة مفصلية بين الفلاحة والصناعة وتحد الاندماج في الاقتصاد العلمي.