لا أحد ينكر أسمى درجات التضامن والتآزر والتآخي التي يتميز بها المجتمع الجزائري في المناسبات الدينية وفي الأوقات الحرجة مثل الأزمات والكوارث، كالزلازل والفيضانات، لكن هذا يبقى مناسباتيا وظرفيا. ومثلما يتطلب الأمر التحضير الجيد والاستعداد التام لمجابهة الكوارث الطبيعية بتدريبات بشرية وامكانيات مادية، فإنّ قضية التضامن هي الأخرى تتطلب تحضيرا جيدا واستعدادا تاما بل وتتطلب وضع خطة وبرنامجا بل استراتيجية وطنية للتضامن، وأفضل تضامن هو ذلك الذي تقوم به الدولة بكافة هياكلها ومؤسساتها بموظفيها ومسؤوليها. فالتضامن المناسباتي رغم أنه يخفف من معاناة الفاقة والحاجة لدى المواطن الفقير أو المواطن الذي أثقلت كاهله نفقات ومصاريف الحياة اليومية، إلاّ أنه يبقى تضامنا مناسباتيا قد يحمل رغم حسن نية القائمين عليه بعض مظاهر الارتجال، ويلاحظ عليه بعض السلبيات في التوزيع وفي التسليم وحتى عمليات احصاء عدد الذين يستحقون التضامن والكيفية التي يتم بها إيصال هذا التضامن إليهم. قد تبدأ الاستراتيجية الوطنية للتضامن من زرع ثقافة عدم الاتكال لدى المواطن، وتغيير نظرته حول العمل خاصة فيما يتعلق ببعض المهن التي يرى بعض الشباب أنها أعمال متدنية لا تليق بهم، ثم تأتي في مرحلة أخرى ضرورة توفير مناصب شغل لأكبر عدد ممكن من المواطنين القادرين على العمل، فغياب مناصب الشغل يشجع على الاتكال. موازاة مع هذا تبدو ضرورة إقامة شبكة وطنية على طول أيام السنة للتضامن، تقوم بالاعتناء المادي والاجتماعي بالفئات غير القادرة على العمل وتلك الفئات التي لم تتمكن فعليا من الحصول عل منصب عمل، وفئات أخرى ليست لها القدرة على مواكبة الحياة. بهذا تكون الاستراتيجية الوطنية للتضامن شاملة لكل الذين يحتاجون للتضامن، وممتدة عبر كل أيام السنة ومقننة بمعايير وشروط، ومتجاوزة لقفة رمضان ومطاعم الرحمة بميكانيزمات تضمن الدعم المالي والإجتماعي كل شهر وفق ما تحدده المصالح المختصة بعيدا عن الاتكالية والتمظهر.