انتهت أمس بالعاصمة النمساوية فيينا أشغال المؤتمر الدولي حول ليبيا بإصدار الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى موقفا أكدت من خلاله استعدادها رفع الحظر الأممي المفروض على بيع الأسلحة لحكومة الوزير الأول فايز السراج. وأكدت الدول المشاركة في ختام هذا المؤتمر الذي عرف مشاركة وزراء خارجية 20 دولة كبرى ومن دول الجوار وممثلي مختلف المنظمات الدولية والإقليمية "استعدادها" تلبية طلبات حكومة الوحدة الوطنية الليبية لإعادة تسليح قواتها وتدريب عناصرها من أجل مواجهة الخطر الإرهابي المتنامي في هذا البلد. ولكن ورغم حصول حكومة السراج على موافقة الغرب بإلغاء قرار حظر السلاح عليها إلا أن قناعة عامة الليبيين وحتى الدول الغربية تؤكد أن ذلك يبقى جزءا من مشاكل هذا البلد وأن حلها يمر حتما عبر تحقيق مصالحة "سياسية" بين الأطراف المتصارعة بعد أن عجزت حكومة الوفاق عن مباشرة مهامها خمسين يوما بعد عودتها الى طرابلس. وإذا كان حل المعضلة الليبية يمر عبر هذه المصالحة فإن التوصل إليه شكل في حد ذاته عقبة حقيقية بعد أن رهنت المجموعة الدولية تعاونها مع حكومة فايز السراج بحصولها على ثقة برلمان طبرق الذي بقي هو الآخر حبيس عدم توفر النصاب القانوني لعقد جلسته والتصويت لصالح الحكومة أو ضدها. وكان مؤتمر العاصمة النمساوية أمس فرصة لرئيس الوزراء الليبي فايز السراج لتشريح الوضع السياسي والأمني في بلاده وسط تطورات عكست صعوبة مهمة حكومته في تثبيت سلطاتها والأكثر من ذلك استعادة الأمن المفقود. وحتى وإن نجح السراج في إقناع القوى الكبرى برفع الحظر على السلاح فإنه لم يضمن قدرته على تخطي عقبات الحصول على ثقة برلمان طبرق وشكلت أكبر معضلة أمامه لإقناع الدول الغربية حالت دون توحيد مختلف القوى السياسية حول مشروع المصالحة الوطنية وبرنامج حكومته التي راحت ضحية صراع حرب الزعامة بين أقطاب سياسية وعسكرية في هذا البلد الممزق التي يرى كل طرف منها أنه أهل للقيادة البلاد دون غيره. وهي نزعة عمقت الشرخ الليبي وحالت دون توصل أطراف مشهد الخارطة السياسية في هذا البلد إلى حل توافقي مما أدى إلى أزمة فراغ دستوري وأمني استغله تنظيم "داعش" لصالحه من خلال توسيع نطاق عملياته وتواجده من شرق البلاد الى غربها ووصولا إلى مدينة بني وليد الواقعة على بعد 180 كلم إلى الجنوب الشرقي من العاصمة طرابلس. ووقف وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتانماير قبل انطلاق مؤتمر فيينا على هذه الحقائق معترفا بأن قدرات حكومة السراج مازالت محدودة ما لم تتمكن من وضع حد للصراعات الداخلية وتنافس القوي السياسية، في تلميح واضح على ضرورة إعادة النظر في كيفية التعاطي مع السلطات الموازية في ليبيا بعد أن فشلت سياسة العقوبات الدولية التي فرضت على مسؤوليها وهي مقاربة دافعت عنها وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي التي راحت إلى حد المطالبة بضم كل الأطراف الليبية التي تعتقد أنها همشت في العملية السياسية وقاسمها الرأي هارليم ديزير كاتب الدولة الفرنسي المكلف بالشؤون الأوروبية الذي دعا كل القوى السياسية والأجهزة الأمنية إلى تشكيل تحالف مع حكومة السراج من أجل إنشاء هيئات موحدة قادرة على محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. وشكل هذا الشرخ القائم بين مختلف القوى الليبية محور الناقش في مؤتمر فيينا ويبدو أن الحضور لم يتمكن من وضع تصور عملي له، الأمر الذي جعل وزير الخارجية الامريكي جون كيري يؤكد بعد لقاء جمعه بفايز السراج بأن "عملا كبيرا مازال في انتظارنا". ويتأكد من خلال هذه التصريحات أن حكومة فايز السراج في حاجة إلى التفاف سياسي ليبي من حولها قبل الحديث عن محاربة تنظيم "داعش" ويكون ذلك هو الذي جعل الدول الغربية ترفض رفع الحظر على سلاح بقناعة انه سيقع حتما بين أيدي مقاتلي هذا التنظيم الإرهابي ليكون نتيجته عكسية وزاد في قوته بدلا من القضاء عليه. وكان عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق الذي بقي مصير حكومة السراج بين أيدي نوابه استبق المسؤولين الغربيين وأكد عشية انطلاق اجتماع العاصمة النمساوية ليطرح شروطا لمنح الثقة لحكومة الوفاق من بينها حتمية حضور كل أعضاء حكومة الوفاق إلى مقر البرلمان في التاريخ الذي سيتم تحديده لاحقا لعرض سيرهم الذاتية وبرنامج عمل وزاراتهم. مؤكدا أن كل من لا يحضر سيتم إبعاده من الحكومة. وإذا كان بعض الوزراء يلقون الإجماع لدى النواب فإن الخلاف قائم بين صالح والسراج حول مصير الفريق خليفة حفتر الذي رفضه السراج في حكومته ويصر رئيس البرلمان على اعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية. ويمكن القول أن التوصل إلى اتفاق حول مصير خليفة حفتر سيمكن حكومة الوحدة من وضع أولى خطواتها على طريق إعادة بناء المؤسسات الشرعية الليبية والقوات المسلحة في آن واحد والتفرغ بعدها لمواجهة الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم "داعش" على وحدة واستقرار ليبيا وكل المنطقة.