أطلقت مصالح الموارد المائية نهاية الأسبوع المنصرم أشغال انجاز المانعين المائيين لوادي "العذيرة" و"إيريدان"، وهما المشروعان المبرمجان ضمن مخطط حماية وادي ميزاب من الفيضان، لكن تجسيدهما بعد الدراسة التي تمت في 1996 تعذر بسبب رفض السكان، لهذا المخطط الذي ضم أيضا مشروع المانع المائي لوادي الأبيض الذي مكن من حجز 20 مليون متر مكعب من المياه، يوم الفاتح أكتوبر الجاري، مجنبا مدينة غرداية أضرارا مضاعفة لتلك التي أحدثتها الكارثة الطبيعية. وقد سجلت "المساء" التي عاينت حجم الأضرار التي لحقت سكان سهل ميزاب المتضررين من الكارثة، وخاصة بأحياء "بوشمجان" و"تاكدات" و"بابا السعد"، أن الكارثة كان يمكن تفاديها لو أن المشروعين تم تجسيدهما في آجالهما المحددة، وهذا باعتراف أهل المنطقة الذين لم يكونوا يتوقعون أن قوة المياه ونسبة تدفقها على الوادي تتجاوز ارتفاع 8 أمتار، و12 مترا في بعض الأماكن، لا سيما وأن الوادي سبق وان شهد حالات مماثلة في السابق وكان آخرها في سنة 1991، حيث لم يتجاوز ارتفاع الماء ال5 أمتار. كما عاد الجميع إلى الاعتراف بفضل المانع المائي لوادي "الأبيض" الذي جنب المدينة من كارثة أكبر، بمنعه لتسرب نحو 20 مليون متر مكعب من المياه إلى وادي ميزاب، حيث عمل هذا المانع المائي على التصدي لقوة تدفق 600 متر مكعب من المياه في الثانية، وخفضها إلى 200 متر مكعب في الثانية، بينما لم تجد المياه المتسربة من الواديين الآخرين أي مانع، فتدفقت بالسرعة المشار إليها (600 متر في الثانية) متسببة في فيضان الوادي الرئيسي. كما مكن التوقيت الذي وقعت فيه الكارثة التي تزامنت مع موعد صلاة الفجر وتأهب السكان لاستقبال عيد الفطر في تقليص حجم الأضرار، حسبما أكده لنا ممثلو جمعيات أحياء منطقة "الغابة" السيدان بومعقل وججاج، أثناء مرافقتهما لنا في جولة استطلاعية وسط الأحياء الأكثر تضررا، والتي تزداد أثار الكارثة البادية عليها تفاقما كلما نزلنا إلى أسفل الوادي، وتتجلى للعيان من خلال أثر الارتفاع الذي بلغته المياه، فيما لم يبق في أسفل درجة من الوادي، سوى أطلال البيوت المنهارة، التي ركبتها الردوم والأوحال، والتي يصل عددها بالمنطقة إلى نحو 2000 بيت أغلبها بني بمواد لا تصلح للبناء، على حد تقدير مرافقينا اللذين اغتنما الفرصة ليشرحا لنا التقنية المعتمدة بأحياء الغابة لتوزيع مياه الوادي على الحقول والبساتين، وهي التقنية المعروفة بنظام "تنافس"، الذي يقوم على أساس توزيع المياه عبر غرف تستقبل الكميات من المياه انطلاق من أبواب مرقمة منجزة أسفل الجسور المنخفضة التي تقطع الوادي، ويتم التحكم في نظام توزيعها على البساتين، بينما يتم إيصال تلك الغرف بآبار تسمح للمياه ب"التنفس" لتجنيب المنطقة الانهيار في حال ارتفاع منسوب المياه. ولابد من الإشارة في هذا المقام إلى أن علاقة سكان سهل ميزاب مع الوادي تعود قصتها إلى قرون خلت، حيث ظل فيضان وادي ميزاب من أكبر المخاطر التي تهدد سكان المنطقة، ولذلك تم في 1615 تأسيس "أمناء السيل" التي تعتبر هيئة مكلفة بمراقبة الوادي بصفة دائمة وإنذار باقي السكان من خلال إطلاق البارود، في حال ملاحظة ارتفاع منسوب مياهه. غير أن ما حصل يوم وقوع الكارثة الأخيرة حسب أحد أعضاء هذه الهيئة، هو أن بعض السكان لم يتبعوا الإنذار الذي اطلق على الساعة الرابعة والنصف صباحا، بينما لم يسعف الحظ بعضهم الآخر في إخلاء المكان في الوقت المناسب. وعلاوة على المشاريع الثلاثة لإنجاز الموانع المائية، يضم مخطط الدولة لحماية المناطق السكنية من فيضان وادي ميزاب، ثلاثة محاور أخرى، تشمل عملية ضبط مسالك الوادي وتوسيعها، انجاز محطات للتطهير على امتداد سهل ميزاب، حيث تم الانتهاء من انجاز محطتين بمنطقة "داود" والعطف، بينما بلغت أشغال انجاز محطة تجميع المياه بين داود وضاية بن ضحوة نسبة 40 بالمائة، إضافة إلى تهيئة محطات لمعالجة المياه القذرة، على غرار محطة العطف التي تستقبل 46 ألف متر مكعب من المياه المستعملة يوميا من سهل الميزاب وتصبها في احواض تصل مساحتها إلى 150 هكتارا. ويبقى الإشكال الرئيسي الذي ظل يعترض تقدم كل هذه المشاريع، ذلك المتعلق بنزع الملكية وترحيل السكان الذين اتخذوا من الوادي مكانا للسكن، لا سيما في فصل الصيف. وفي هذا الإطار كشف لنا السيد محمد أرزقي عوجيت مدير الموارد المائية بالولاية، أن العمليات الأولى التي تم تجسيدها، بما فيها انجاز المانع المائي لوادي "الأبيض"، استدعت تنحية 215 بيتا من مواقع انجاز المشاريع، بينما لم تجد السلطات العمومية سهولة في ترحيل باقي السكان القاطنين داخل الوادي وهو ما آخر تجسيد ما تبقى من المخطط. وتجدر الإشارة إلى أن مصالح الدولة اتخذت هذه المرة قرار حازما يقضي بترحيل كل سكان الوادي وإعادة هذا الأخير إلى أصله الذي منحته له الطبيعة، حيث لن يسمح مستقبلا بإنجاز أي مشروع داخل الوادي فيما عدا المشاريع الفلاحية. مركز إيوء العائلات "بوليلة" قبلة لمساعدات المحسنين داخل منطقة "الغابة" التي تضررت بنسبة كبيرة من فيضانات الفاتح أكتوبر بغرداية، تجتمع في نفوس الأهالي الذين انتظموا تحت لواء 11 جمعية محلية، بالمدرسة القرآنية علي سعيد المعروفة ب "بوليلة"، حالتا الغضب من ثقل وصول المساعدات الإنسانية التي تتلقاها المصالح الإدارية بغرداية يوميا من مختلف الولايات، وإصرار على تنظيم العمليات والتحكم الذاتي في زمام الأمور. فبين شعور بالإقصاء وواجب الإعتراف بإحسان ذوي البر من الأقارب والأحباب الذين لم يبخلوا بعطائهم على إخوانهم المتضررين، حدثنا السيد حمودة منسق الجمعيات المحلية بهذا المركز، قائلا بأن هذا الأخير الذي يضم 180 عائلة يتلقى المساعدات من المياه المعدنية من المصالح العمومية بينما جل المساعدات الأخرى تصله من المحسنين "فهؤلاء الأصدقاء والأحباب معظمهم من التجار المقيمين بالولايات الشمالية من الوطن يوفدون لنا يوميا شاحنات محملة بالمواد الغذائية الأساسية والأفرشة"، مشيرا إلى أن ما تطالب به العائلات المقيمة بهذا المركز الذي سجل حالتي ولادة مؤخرا، هو إعادة إسكان العائلات وتوفير وسائل الطبخ والمواد الغذائية الأساسية بالقدر الكاف، لا سيما وأن هذا المركز يتكفل بتوزيع المساعدات على 11 جمعية تشرف على تأطير مراكز إيواء أخرى داخل الغابة. وفي ظل الحركية الكبيرة والمنتظمة التي يشهدها هذا المركز، حيث تم تقسيم المهام بين المشرفين، ليتكفل كل فوج وكل فرد بوظيفة معينة، والموزعة بين الحراسة والطبخ وتفريغ وشحن المساعدات، وكذا تمثيل الجمعيات لدى الجهات المسؤولة على توزيع المساعدات، وبينما كان الشيخ حمودة ومرافقيه من منظمي المركز يحدثوننا بحماس عن المشاكل التي تعترض المقيمين بالمركز، تدخل أحد الأطباء المتطوعين من جمعية " تازمرت انا" (صحتنا)، بحكمة ليدعو الجميع إلى الصبر وضبط النفس، وتفادي التسرع في إطلاق التهم، معتبرا بأن حجم الكارثة وتوقيتها وكذا الطابع المفاجئ لها، هي كلها عوامل أدت إلى غياب سياسة منظمة في توزيع المساعدات، مقترحا على الأهالي الذهاب إلى المراكز الرسمية لتوزيع المساعدات بدل البقاء في المركز وانتظار وصول المؤن، وذلك في انتظار التحكم في الوضع من قبل السلطات العمومية التي لازالت تعمل على إحصاء الأضرار. كما ذكر المتحدث الذي أشار إلى حاجة المنظمات الصحية إلى متطوعين، بأن "الشعب الجزائري أعطانا درسا جديدا في التضامن وهو ما يؤثر فينا نحن أبناء المنطقة ويدفعنا إلى مضاعفة عملنا الإنساني".