إلى وقت قريب كانت النسوة اللواتي يصلن إلى مرحلة معينة من العمر ولا يتزوجن، يقال عنهن أنهن "عوانس"، أو أن قطار الزواج فاتهن، وينظر إليهن بنظرة جانبية من المجتمع، غير أن هذا المعتقد سرعان ما تغير بعدما اتجهت أخريات إلى اختيار العزوبية عن قناعة ورفضن فرص الزواج لعدة اعتبارات مادية وأخرى نفسية. لم يكن من السهل الحصول على عينات لنسوة رفضن الزواج واخترن العزوبية، لأن مجتمعنا لا يتقبل هذا التوجه، بحكم مخالفته للدين الذي يعتبر الزواج نصف الدين، سواء بالنسبة للرجال أو النساء، ومع هذا تمكنا من الاحتكاك يبعضهن وبحث الأسباب وراء اختيار العزوبية، رغم توفر فرص الزواج. ليس هناك من يستحقني تقول سيدة رفضت ذكر اسمها، تجاوزت عتبة الأربعين "بأن من أهم الأسباب التي جعلتها ترفض الزواج، أنها لم تجد من يستحقها، وتشرح: "رجال اليوم يلهثون وراء المرأة العاملة فقط، من أجل أن تقاسمهم مشاق الحياة وتتكفل هي بالإنفاق، ولأنني أعمل في مؤسسة خاصة ولدي سيارة ومنزل، تبين لي أن كل من تقدم إلى خطبتي لم يكن بغرض بناء حياة زوجية بقدر الطمع فيما أملك". وأردفت "كنت في كل مرة أرفض العروض التي تقدم لي ووصلت إلى قناعة مفادها أنه لا يوجد من يستحق أن أكون له زوجة، لذا وبحكم أنني تقدمت في السن، فضلت البقاء عزباء ولست نادمة على هذا الاختيار". تجاربي الفاشلة جعلتني أختار العزوبية قد يقرر بعض الرجال عدم الزواج بسبب الفشل في اختيار الشريك المناسب، لكن هذا ليس حكرا على الرجال، لأن مجتمعنا يقدم عينات لنساء فشلن أيضا في العثور على الزوج المناسب، فاخترن العزوبية، وهو حال أسمهان، عاملة بمؤسسة بلغت الخمسين، هي الأخرى خرجت عن صمتها وقالت: "في كل مرة أتعرف فيها على رجل ونتفق على الزواج، أكتشف بطريقة أو بأخرى أنه ليس صادقا في حبه، وأن ما دفعه إلى طلب الارتباط بي هو أنني عاملة ولدي دخل مريح، الأمر الذي جعلني أرفض فكرة الزواج رغم معارضة أهلي لهذا القرار". معاملة والدي السيئة لوالدتي وراء رفضي الارتباط من أهم الأسباب أيضا التي دفعت بعض النسوة إلى رفض فكرة الزواج جملة وتفصيلا؛ المعاملة الأسرية التي تؤثر على نفسية الأبناء، وهو حال ربيعة التي قررت أن تعيش دون زواج، حتى لا تتعرض إلى ما عاشته والدتها من ظلم وقهر سببه لها زوجها، فقسوة والد ربيعة، ومعاملته السيئة لوالدتها الذي كان في كل مرة يضربها، إلى أن قررت الانفصال عنه، جعلها تزيح فكرة الزواج عن تفكيرها، لأنها ترى في كل الرجال عنف والدها، وما زاد من إصرارها على القرار، ولوجها عالم الشغل وبعدما أصبح لديها مورد مالي مستقل، قررت ألا تتزوج مطلقا خوفا من أن تعاني كما عانت والدتها. قضايا الطلاق جعلتني أكره الزواج من بين القصص التي استوقفتنا؛ قصة نسرين، المحامية التي كان وراء اختيارها للعزوبية، احتكاكها الدائم بالنساء ضحايا الخلافات الزوجية اللواتي يترددن على مكتبها طلبا للطلاق، بعد المعاناة التي يعشنها من أزواجهن، حيث قالت: "يطرق باب مكتبي يوميا عدد كبير من النساء صغيرات السن اللواتي يقصدنني باكيات وعلى أجسادهن علامات الضرب، يقلن بالحرف الواحد أنهن ندمن لأنهن تزوجن، وأن الرجال لا يؤتمن جانبهن، كل هذا جعلني آخذ فكرة سيئة عن الزواج وقررت أن أعيش لمهنتي وأدافع عن هذه الفئة وكرهت الزواج ولم تعد لدي الرغبة في الارتباط، بل على العكس، أصبحت أمقت الرجال، رغم أنني لم أعش أية مغامرة عاطفية".