أكّد الدكتور عبد الله حمادي أسبقية الجزائر في تطوير الشعر العربي من خلال الشاعر الجزائري بكر بن حماد التهرتي الذي عاصر بني تمام والبحتري، مثلما أشار الدكتور باديس فوغالي إلى بادرة الجزائر في الولوج إلى عالم الرواية من خلال رواية «الحمار الذهبي» للوكيوس أبوليوس. نشّط الدكتوران عبد الله حمادي وباديس فوغالي، ندوة «موقع الرواية الجزائرية في الأدب العالمي»، أمس، بمجمع «سيم»، ضمن الطبعة الثانية للملتقى الدولي للشعر التي تختتم فعالياته اليوم بالبليدة. وقال الدكتور حمادي إنّ الجزائر قدّمت أسماء عظيمة في الشعر مثل بكر بن حماد التهرتي الذي عاش خمسين سنة في بغداد وبن خالوف القسنطيني، شاعر الدولة الحفصية، وكذا علي بن لفقون، شاعر الدولة الموحدية، مؤكّدا أنّ كلّ مسلم في تلك الفترة كان يعتبر دينه منقوصا في حال عدم إتقانه للغة العربية. وأشار حمادي إلى تمازج الأمازيغية بالعربية بدون أي إرغام، حتى أن ابن خلدون قال، إنّ اللغة العربية «تبربرت» واللغة الأمازيغية «تعربت»، ليعود ويذكر أسماء أخرى قدمتها الجزائر للغة العربية وفنونها وآدابها مثل علماء النحو ابن مالك، مضيفا أنّ المغرب العربي كان يتواصل وبشدة مع المشرق العربي. واعتبر المتحدث أنّ الجزائر لم تنطلق من فراغ من ناحية الأدب، بل ساهمت بإسهاب في إثراء الساحة الأدبية العربية إلا أنها عانت كثيرا في فترتي الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي، حيث أن حكام الفترة الأولى لم يولوا أهمية كبيرة للثقافة في عصر كثرت فيه الحروب. أما المستعمر الفرنسي، فقد عمل المستحيل لطمس الهوية الجزائرية. واعتبر المحاضر أن الشعر في الفترة العثمانية كان ركيكا، أما في الفترة الاستعمارية، فتراجع أكثر، ليذكر سنة 1905 التي عرفت ميلاد أول كتاب يؤكد عروبة وإسلام الشعب الجزائري والمتمثل في «تعريف الخلف برجال السلف» للحفناوي، في حين كتب شاعر شاب المدعو محمد الهادي سنوسي زاهري، أول مدونة شعرية حديثة بعنوان «شعراء الجزائر في العصر الحاضر» سنتي 1926 و1927، عرّف في جزئيها، بسيرة ذاتية ل21 شاعرا شابا مع وضع صورهم، كما حدد مقاييس صارمة للمشاركة في هذه المدونة التي وصفها مبارك الميلي ب«إنجيل الأدب الجزائري الحديث»، الذي كتب بدوره، مؤلّفا بعنوان «تاريخ الجزائر الحديث والقديم» سنة 1930، ردا على احتفالية فرنسا بمرور مائة سنة على احتلالها للجزائر. وأضاف حمادي أن جمعية العلماء المسلمين قدمت العديد من الشعراء مثل محمد العيد آل خليفة، لتأتي مرحلة الثورة المسلحة ويظهر بما يسمى الشعر الثوري بعمادة مفدي زكريا، لينتقل إلى مرحلة ما بعد الاستقلال التي شهدت نشوة لا مثيل لها، شعر بها الشعب الجزائري ولم يستطع آنذاك أن يعبر عنها، فتراجع الشعر إلى حين انتكاسة العرب سنة 1967، أعقبها ظهور قصائد تتغنى بالثورات الصناعية والزراعية، وظهر سنوات من بعد، ما يسمى ب«الصوفية الحداثية» التي لا يخضع مريدوها للغة المتعارف عليها، كما أصبح للقصيدة دلالات متعدّدة. من جهته، تطرّق الدكتور باديس فوغالي إلى ملامح السرد التي قال إنّها ظهرت في الشعر، معتبرا أنّ الشاعر العربي القديم كان روائيا بامتياز، لينتقل إلى واقع الرواية في الجزائر ويؤكّد أنّ أغلب الروائيين كانوا في الأصل شعراء وقصاصين. بالمقابل، لم يعتبر الدكتور أنّ عمل «غادة أم القرى» لرضا حوحو، رواية بل مشروع رواية، كما لم يشأ تحديد أبوة الرواية الجزائرية سواء للطاهر وطار أو عبد الحميد بن هدوقة، ليطالب بتخصيص المعرض الدولي للكتاب لأجنحة خاصة بكل جنس أدبي مثل الرواية والشعر، كما أكد أن الرواية يجب أن يعايش صاحبها أحداثها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أي إما عن تجربة أو من خلال انجذابه لأحداثها، كما حثّ الروائي على عدم الاستعجال في كتابة الرواية بل بضرورة تركها «تتخمّر» كما حثه على القراءة وجمع المعلومات حول الموضوع الذي سيكتب عنه، لينتقل إلى ظاهرة لاحظها كثيرا وهي استعمال الروائي لمقاطع شعرية أو الكتابة الشعرية في رواياته، وهو ما يدل على كونه شاعرا بالدرجة الأولى.