شدّد وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مختار حسبلاوي، أمس، على أنه لا تراجع عن إجبارية الخدمة المدنية التي تعتبر الضامن الأساسي للتغطية الصحية في المناطق التي تكون فيها هذه التغطية ضعيفة، كما أكد عدم تخلي الدولة عن مجانية العلاج التي يكرسها مشروع القانون الجديد للصحة في مادتين أساسيتين. مبرزا خلال عرضه لهذا المشروع أمام نواب المجلس الشعبي الوطني التكامل بين القطاعين الخاص والعام وفقا لدفتر شروط محدد، مع وضع ملف طبي موحد على المستوى الوطني، واستحداث نظام وطني معلوماتي ومرصد وطني للصحة مهمته إعداد تقرير وتحديد أولويات المنظومة الصحية. وفضّل وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، مباشرة عرضه لمشروع القانون بالتأكيد على مجانية العلاج التي قال بأنها مجسدة في مادتين أساسيتين في النص عملا بأحكام الدستور، موضحا أن النّص جاء لإزاحة الفوارق بين مناطق الوطن من خلال توفير الوسائل المادية والبشرية، وفق الحاجيات الصحية للمواطنين، حيث يهدف المشروع بالأساس حسبه إلى «ضمان حصول كل مواطن على العلاج من طرف الدولة التي تتولى توفير الإمكانيات اللازمة». وأوضح ممثل الحكومة، أن النّص الجديد جاء أيضا ليرسي مبدأ التكامل بين القطاعين العام والخاص وفق دفتر شروط يضمن مجانية العلاج، مع إمكانية تفويض مهمة الخدمة العمومية لصالح الهياكل الخاصة على أساس هذه الشروط، لافتا في نفس السياق إلى تأكيد المشروع على «حق المريض في الحصول على طبيب مرجعي من القطاع العام أو الخاص إلا في بعض الحالات التي تم احالتها على التنظيم». وأكد من جانب آخر بأن تمويل القطاع العمومي للصحة، لا يمكن أن يقتصر على ميزانية الدولة، حيث تستدعي تلبية الاحتياجات الصحية حسبه إيجاد آليات أخرى ملائمة تهدف إلى تنويع مصادر التمويل دون المساس بمبدأ مجانية العلاج، وعلى أساس التحكم في النفقات مع تحسين نوعية وفعالية الخدمات الصحية المقدمة للمريض». وذكر الوزير في هذا الخصوص بأن وضع آليات التعاقد بين المؤسسات العمومية للصحة ومختلف الجهات الممولة كصناديق الضمان الاجتماعي والتأمينات الاقتصادية والتعاضديات يهدف إلى ضمان تمويل في مستوى حاجيات المنظومة الصحية، وفي حدود إمكانيات الجهات الممولة إضافة إلى التمويل الذي تضمنه الدولة، مشددا من جانب آخر على وجوب وضع ملف طبي موحد على المستوى الوطني مدمج في نظام وطني معلوماتي، يوفر بنك معطيات ومعلومات يمكن لاحقا الاعتماد عليها لاتخاذ القرارات المواتية على جميع مستويات المنظومة الوطنية للصحة، مع ضمان السر الطبي المهني. ومن بين النقاط الجديدة التي تطرق اليها السيد حسبلاوي أيضا وضع مؤسستين جديدتين تتمثل الأولى في المقاطعة الصحية فيما تتمثل الثانية في مؤسسة الاغاثة الصحية المستعجلة، وتكمن مهمتهما الاساسية في «توسيع شبكة الإعانة الصحية على مستوى كل الولايات وفق خصوصيات كل ولاية مع ضمان التنسيق بين المؤسسات الاستشفائية. وتناول المشروع حسب الوزير نقطة هامة تتمثل في حق المريض في الاطلاع على حالته الصحية، مع وضع الآليات المناسبة التي تمكنه من ممارسة حقه في الطعن «لدى لجنة الصلح والوساطة» المستحدثة في المشروع الجديد. كما يقترح النص إنشاء المرصد الوطني للصحة مهمته إعداد تقرير سنوي عن الحالة الصحية للمواطنين وتحديد الأولويات الصحية التي توضع على اساسها البرامج، حيث أوضح الوزير في هذا الإطار بأن الاستراتيجية الجديدة للحماية والوقاية وترقية الصحة موجهة من جهة، نحو الفئات الهشة كالأمهات والأطفال والمراهقين والأشخاص المسنين والأشخاص في وضع صعب، ومن جهة أخرى الأوساط الخاصة كالصحة في العمل وفي الأوساط التربوية والجامعية والتكوين المهني وكذا في الوسط العقابي». وبهدف التقليص من التكاليف، نص المشروع على استحداث إجراء التداوي في المنزل وهو ما يمكن حسب الوزير من التقليص في مدة الاستشفاء من جهة وضمان استمرارية العلاجات في المنزل للمريض من جهة أخرى، لاسيما بالنسبة للمرضى المصابين بأمراض خطيرة وكذا المسنّين. كما أبرز الوزير الأهمية التي توليها الحكومة لمجال التكوين، مشيرا في الأخير إلى بعض المؤشرات التي تعكس تحسن التغطية الصحية في الجزائر ومنها تسجيل ارتفاع في مستوى حياة المواطنين مقابل تراجع وفيات الأمهات والأطفال وتراجع انتشار الأمراض المتنقلة والقضاء على العديد منها. تباين مواقف ممثلي الشعب حول مشروع قانون الصحة نواب المعارضة يطالبون بسحب النص تباينت مواقف نواب المجلس الشعبي الوطني حول مشروع قانون الصحة الجديد الذي عرضه أمس، وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مختار حسبلاوي، في الوقت الذي ثمن فيه نواب أحزاب الموالاة الممثلة خاصة في حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الشعبية الجزائرية ما تضمنه النص الجديد، من «تدارك للنقائص المسجلة في الولايات الجنوبية والداخلية والتكفل بالكوادر لمنع هجرة مزيد من الأطباء نحو الخارج»، لم يتوان نواب المعارضة في الدعوة لسحب المشروع الذي «يضرب حسبهم مجانية العلاج»، موجهين نداء استغاثة لرئيس الجمهورية «من أجل سحبه الفوري». وتمحورت مداخلات نواب الموالاة، حول بعض السلبيات الموجودة على أرض الواقع في قطاع الصحة، على غرار النقص في الكوادر البشرية، وكذا غياب المنشآت والهياكل بالولايات الداخلية والجنوبية، والوفيات المتكررة في مصالح التوليد، لاسيما في الولايات الحدودية، حيث سجل النائب عن جبهة التحرير الوطني سليمان سعداوي، في هذا الإطار عدم مواكبة قطاع الصحة للنمو الديمغرافي، خاصة في الولايات الداخلية والجنوبية، حيث لا يوجد عدد كاف من العيادات العامة للتكفل بالمرضى، محذرا بالمناسبة من مغبة إلغاء الخدمة المدنية، مخافة الانعكاسات المنتظرة من ذلك على واقع الصحة والمريض. نفس الانشغال جاء على لسان بعض النواب الآخرين من الأفلان والأرندي، الذين فضلوا التطرق للمشاكل المحلية لقطاع الصحة، فيما ثمن رئيس المجموعة البرلمانية للجبهة الشعبية الجزائرية، بربارة الشيخ، مضمون المشروع، معلنا التزام الكتلة بالتصويت عليه، من منطلق أن النص جاء لمعالجة واقع متردي تشهده الخدمات الصحية التي لم تحقق حسبه، أهدافها، بما يستدعي ضرورة مراجعة السياسة العامة للمنظومة الصحية في الجزائر. القطاع بحاجة إلى 70 ألف طبيب وركز النائب عن تجمع أمل الجزائر، بن يوسف زواني، على نقص الكوادر البشرية بقطاع الصحة، حيث قدم في مداخلته أرقاما تعكس حجم النزيف الذي يعاني منه القطاع جراء الهجرة المكثفة للكوادر نحو الخارج، مقدرا في هذا الإطار احتياجات القطاع الصحي ب70 ألف طبيب. وإذ تأسف لرحيل 15 ألف طبيب جزائري نحو فرنسا، التي يشكل بها الأطباء الجزائريون 25 بالمائة من الطاقم الطبي في البلاد، دعا النائب إلى ضرورة تحسين التكفل بالأطباء لتفادي هجرة المزيد منهم نحو الخارج. وعلى العكس من ذلك، طالب نواب المعارضة بالمجلس الشعبي الوطني بسحب مشروع قانون الصحة الجديد، رافضين مضمونه الذي اعتبروه «تهديدا للمكتسبات الوطنية وضربا لمجانية العلاج». «العمال» يحذرون من تصحر الضمان الاجتماعي وكان حزب العمال أول الأحزاب المعلنة لمعارضة لمشروع القانون الجديد، حيث عبروا عن رفضهم للنص بتنظيم احتجاجات بقاعة المجلس، رفعوا خلالها لافتات كتب عليها شعارات «على الرئيس التدخل لسحب قانون الصحة» وكذا «الأموال العمومية للقطاع العمومي» و «صندوق الضمان الاجتماعي في خطر..». وتلخصت مداخلات نواب حزب العمال في الدعوة إلى سحب المشروع «لأنه غير دستوري ويضرب مجانية العلاج»، معتبرين «المشروع يقنن لوضع إمكانيات القطاع العام في يد القطاع الخاص...». نفس لانتقادات وجهها النائب لخضر بن خلاف، عن حزب العدالة والتنمية لنص المشروع، الذي قال بأنه «سيقضي على القطاع العمومي ويمهد لخوصصة قطاع الصحة، والتخلي عن مبدأ مجانية العلاج التي تعتبر حقا دستوريا»، موجها من جهته نداء لرئيس الجمهورية النص.. وذكر بعدد ضحايا الأخطاء الطبية الذي تجاوز 1200ضحية، مشيرا إلى أن قطاع الصحة في الجزائر أصبح مصدرا للأمراض والموت أكثر منه استعادة للصحة والعافية. كما ذكر المتدخل بالخسائر التي تتكبدها الخزينة العمومية منذ 16 سنة من الإصلاح الاستشفائي الذي إلتهم حسبه 76 مليار دولار، «ما يعادل ميزانية التسيير في عدة بلدان إفريقية».. وانتقد زميله في الكتلة سليمان شنين، عرض مشروع هذا القانون «في ظل التشنج الكبير الموجود بقطاع الصحة، على إثر إضراب الأطباء المقيمين منذ قرابة 5 أشهر»، محذرا من أي انزلاقات قد يخلفها توقيت عرض النص بالغرفة السفلى للبرلمان. كما تأسف نفس النائب «لوجود 40 مادة تجرم الطبيب». «حمس» تدعو لتمديد عطلة الأمومة بدوره، استغرب النائب لخضر ابرهيمي عن حركة مجتمع السلم، ضخ الدولة ل500 مليار دينار في صندوق الضمان الاجتماعي بموجب قانون المالية لسنة 2018، «في ظل العجز الكبير وسوء الخدمات الصحية»، وطالب بتوضيح مفهوم التكامل بين القطاع الخاص والعام في المنظومة الصحية، إضافة إلى تحديد القصد من مساهمة المستفيدين من العلاج في مصاريفه، «وتأثيرها على المجانية التي تحدث عنها الوزير». واقترحت زميلته في الكتلة فاطمة سعيدي، تمديد عطلة الأمومة والتخطيط لإنتاج حليب الأطفال بالجزائر واتخاذ تدابير أكثر صرامة فيما يخص التكفل بسرطان الرحم والثدي، داعية إلى ضرورة تحديد المادة 79 من نص المشروع المتعلقة بحالات الإجهاض وعدم إحالتها على التنظيم. أما رئيس المجموعة البرلمانية لكتلة الأحرار لمين عصماني، فانتقد بدوره المشروع «لأنه يضرب مجانية العلاج عبر فتح استغلال الهياكل الصحية العمومية من قبل الخواص، وانتداب أطباء عموميين للعمل في العيادات الخاصة ضمن عقود شراكة عمومية خاصة»، معتبرا المشروع تقنين لعملية «نهب مبطنة للهياكل الصحية العمومية والرأسمال البشري العمومي».