أحيا المجلس الأعلى للغة العربية أوّل أمس بمكتبة قصر الثقافة "مفدي زكريا"، الذكرى 28 لوفاة العلامة الشيخ عمر أبو حفص الزموري، تم فيها استعراض تراث هذا العالم الذي بلغ القارات الخمس. كما تضمنت الفعالية تقديم محاضرات وشهادات وقراءات شعرية بقصائد هزت الحضور. في كلمته الترحيبية أشار الدكتور صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، إلى أن المحتفى به هو واحد من ألمع العلماء، كان له دور في الحفاظ على الهوية الوطنية في أحلك الفترات إبان الاحتلال الفرنسي، وقام بالتحريض على الثورة. كما حرص على أداء مهمته كمربّ ومفت وداعية. وأضاف المتحدث أنّ الشيخ الزموري هو الإمام العالم، واللغوي والقطب الرباني، وقد بلغ المجد بمؤلفه "فتح اللطيف في التصريف على البسط والتعريف"، وكان له السبق فيه، ثم قدّم نبذة عن حياته ونضاله، ليختم بالقول إن الشيخ له مريدوه وتلاميذه الذين لم يبخل عنهم من فيض علمه في شتى المعارف، منهم من تقلد أرقى المناصب في الدولة بعد الاستقلال. وأشار إلى أنّ المجلس سيطبع محاضرات هذا الموسم في كتاب يحمل عنوان "محاضرات الأربعاء"؛ بهدف ترسيخ مهمة التدوين والنشر. بعدها تَقدّم الأستاذ بلقاسم آيت حمو رفيق الشيخ وتلميذه وقدّم "لمحة تعريفية بالعلامة الزموري"، حيث وصفه بصاحب الجنة العامرة بالعلم والتأليف والتعليم والمواقف والزهد، وهو من مواليد سنة 1913 بشلغوم العيد، وابن زمورة ببرج بوعريريج. صال وجال في رحاب العلم والدين منذ الصغر، لتتجلى نبوغته، فمارس التدريس والإمامة بعدة زوايا ومساجد عبر التراب الوطني، وصولا إلى مسجد سيدي رمضان بالقصبة؛ حيث مكث خمس وعشرين سنة إلى أن وافته المنية في 10 ماي 1990. طُبعت كتبه عدة مرات، وله 4 مجموعات من رسائله الشريفة، وألف عنه مصنفون شرفاء. وقُدمت عنه بحوث ودراسات جامعية، وآخر ما طُبع عنه مصنف عن الحج على المذهب المالكي. وتناولت حياتَه عدة حصص تلفزيونية وإذاعية والمقالات. وزُرعت مصنفاته عبر القارات الخمس، وقُدمت آثاره بمسجد باريس وبالقاهرة. كان للشيخ فضل في تدريس بعض الشخصيات الوطنية من أمثال العقيد صالح بوبنيدر قائد الولاية الثانية التاريخية المعروف بصوت العرب، وعبد الحميد مهري قدّم العديد من شهاداته عن الشيخ، وكذا الشهيد شطايبي وغيرهم كثير، كما كلفته الثورة بمهمة الإفتاء وإصلاح ذات البين، وكانت زاويته مقرا للاتصالات. وكان الشيخ يعرّف نفسه بكونه السطايفي والقسنطيني والعاصمي والقبائلي والصحراوي والغربي وحتى الإفريقي والتونسي وغيرها؛ لذا يتم الاحتفال به في كل مكان. وقد سبق أن أقيمت أيام دراسية ومناسبات؛ احتفالا بذكراه؛ منها المكتبة الوطنية والأوراسي ورياس البحر وببومرداس وميلة وتيبازة وقسنطينة وغيرها. أما نجل الشيخ، وهو الأستاذ عبد الرحمن بوحفص، فقدّم نبذة عن حياة العلامة مع أسرته، مؤكدا أن الهدي النبوي كان مفتاح شخصيته وتعامله مع أهله وفي كل صغيرة وكبيرة، وكان يسميه قاصدوه خاصة من السيدات اللواتي يتلقين العلم، ب "الشيخ الصحبي"، وكان يقال إنه ليس من عصرنا، بل استعير من زمن مضى. وكانت زوجته رحمها الله، تقول عنه: "عشت معه 40 عاما لم أجرب معه الكذب ولم أسمعه يقسم لورعه". وأكد ابنه أن الشيخ لم يعش في برج عال مع كتبه، بل احتكّ بالناس، وكان يحمل فأسه في القرية ويزرع. كما غيّر شخصية زوجته وجعلها متعلمة، ثم مرشدة. وأحسن لأبنائه وعلّمهم بأسلوبه الراقي في شتى العلوم، وكان يجالسهم بعد صلاة العشاء ويقص عليهم السير والتاريخ، وأحيانا يعطيهم أدوار شخصيات تاريخية ليمثلوا أمامه. وأشار الابن إلى أن الشيخ لم يسع لأي منصب أو امتياز، ولزم بيته البسيط في القصبة، لكنه، بالمقابل، فاز بحب الناس وثقتهم. وتم خلال هذا اللقاء قراءة قصيدة مرثية للأستاذ الراحل الدكتور محمد عبد الكريم زموري رفيق الشيخ الذي كرمه رئيس الجمهورية مؤخرا، كتبها لتأبين شيخه الزموري صاحب السر الرباني. بعدها قدّم الأستاذ محمد بن لعور مداخلة عن "تفسير العلامة الزموري للقرآن العظيم وتحقيقه الحديث الشريف"، بيّن فيها مدى اطلاع الشيخ بالشروح الدقيقة والبسيطة، واختار شرحه آية: "اتقوا الله حق تقاته"، متوقفا عند دعائم الخير والفلاح، وموضحا أنّ الاستعداد للخير يأتي بعد تطهير النفس واجتناب الغفلة التي تقطع أعمال الإسلام. كما توقف محمد الصالح آيت علجت نجل الشيخ آيت علجت، عند خصال وتراث الشيخ. وقرأ الأستاذ آيت حمو قصيدة عن الشيخ فارس المناير في المساجد والصحف، شدت الحضور، كان ألقاها في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، ليختتم اللقاء بدعاء أداه نجل الشيخ. وعلى هامش اللقاء تم تكريم رفيق الشيخ الزموري منذ 1938، وهو الإمام آيت علجت، حيث أثنى على المبادرة التي تستحضر مسيرة رجل من رجالات الجزائر، ساهم في تحرير هذه الأرض مترحما على الشهداء الذين دفعوا بالجزائر إلى ضفاف الحرية. كما تم تكريم المحاضرين الذين أسهبوا في الحديث عن الشيخ ومساره وآثاره. ❊مريم . ن