واصلت إدارة الاحتلال أمس مذبحتها ضد سكان قطاع غزة غير عابئة بالقرار الأممي 1860 حيث شنت غارات وحشية على المدنيين الفلسطينيين في تحد فاضح لكل المجموعة الدولية. وبررت إدارة الاحتلال الإسرائيلي مثل هذا التحدي بأن القرار الأممي لا يعطيها ضمانات كافية لإرغام حركة المقاومة الإسلامية حماس على وقف إطلاق صورايخها ضد المستوطنات اليهودية. ولم يكترث الوزير الأول الإسرائيلي ايهود اولمرت ساعات بعد إصدار اللائحة الأممية ليعلن صراحة في وجه كل العالم أن إسرائيل ستواصل عملياتها في قطاع غزة رغم صدور قرار الأممالمتحدة. وأضاف أولمرت بعد الاجتماع الأمني المصغر لحكومته أن "إسرائيل ستتخذ قراراتها وفقا لما تمليه عليها مصالحها الخاصة بها". وهذه الرسالة إن كانت موجهة للمدنيين الفلسطينيين ضحايا المذبحة التي طالتهم منذ أسبوعين كاملين فإنها أيضا رسالة واضحة إلى كل دول العالم بما فيها التي تحتفظ بحق النقض أنها لا تولي اهتماما لمضمون لائحة مجلس الأمن. وهو التحدي الذي سيضع الكرة في معسكر الدول التي تبنت اللائحة 1860 والتي يتعين عليها تنفيذها على أرض الواقع وعدم الاكتفاء بالتصويت عليها فقط. ولكن هل كان لدولة بحجم إسرائيل أن تتحدى كل دول العالم وشعوبها التي خرجت ضد ما شاهدته من مجازر في غزة لولا الضوء الأخضر والحماية الدبلوماسية التي قدمتها الولاياتالمتحدة لها. وبدا ذلك واضحا من خلال الموقف الذي اتخذته الولاياتالمتحدة خلال عملية التصويت على القرار الأممي وفضلت عدم التصويت عليه رغم بشاعة الصور والمجازر التي اقترفتها آلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في حق الأطفال والنساء الفلسطينيات. ويتأكد من خلال هذا الموقف الجنوني لدولة تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان أنها تريد تدمير ما استطاعت من البنى التحتية في هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية بعد أن تأكدت فعلا من أن القوة العسكرية لحركة المقاومة وكل الفصائل الفلسطينية الأخرى لم تتأثر من أفظع هجوم مسلح تقوم به ضد العرب منذ أكثر من ستة عقود. وهو ما يفسر الاجتماع الطارئ لمكتب الأمن الإسرائيلي المصغر الذي أعطى للجيش الإسرائيلي حرية مواصلة العمليات العسكرية إلى غاية تحقيق الأهداف المسطرة لهذه الجريمة. بل أن إسرائيل وضعت نفسها فوق الإرادة الدولية وقوانينها وأكدت أنها لن "تقبل أبدا بأي تأثير أجنبي يقرر في مكانها حول حقها في الدفاع عن مواطنيها وأن الجيش سيواصل عملياته للدفاع عنهم". ولكن طلقات صورايخ القسام التي تهاطلت أمس على المستوطنات اليهودية أكدت لإدارة الاحتلال أن إسرائيل سوف لن تحقق أهدافها ولن تتمكن من تحقيق هدفها الأعلى في إعادة الصورة المهزوزة لجيشها الدموي بعد انتكاسته غير المسبوقة في جنوب لبنان قبل سنتين بدليل الضحايا المدنيين الذين غدرت بهم وقتلتهم حتى خلال ساعات وقف القصف التي زعمت أنها سمحت للفلسطينيين لإيصال المساعدات الإنسانية لهم ولكنها في الحقيقة استغلتها لاقتراف أبشع جرائمها. والواقع أن قرار إدارة الاحتلال الإسرائيلي إنما أملته الصفعة الدبلوماسية التي تلقتها من مجلس الأمن التي لم تكن تنتظر مثل هذا القرار إلى درجة أن الولاياتالمتحدة لم تصوت ولم ترفع ورقة الفيتو في وجه القرار الأممي بعد أن وجدت نفسها في حرج أمام بشاعة وهول ما رأى العالم من صور فظيعة ولم يكن باستطاعتها الدفاع عنها.