شدّد يان كوبيتش، المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، على ضرورة وقف جميع التدخلات الدولية في هذا البلد المضطرب الذي يشهد منذ أكثر من عام مسارا سلميا، يتقدم بخطوات ثابتة باتجاه احتواء معضلة مستعصية متواصلة منذ عقد كامل. ودعا كوبيتش، جميع الدول إلى احترام قرارات مجلس الأمن الدولي بما في ذلك حظر الأسلحة واحترام إرادة الليبيين. وتبقى مسألة حظر بيع السلاح وانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية المتورطة في المستنقع الليبي، من بين أهم العقبات التي لا تزال تعكّر مسار التسوية السلمية التي قطعت خطوات مفصلية باتجاه احتواء الأزمة المستعصية في هذا البلد. ويكون المبعوث الأممي، الذي خلف الدبلوماسي اللبناني غسان سلامة، قد أدرك خطورة استمرار التدخلات الأجنبية خاصة العسكرية منها والتي شكلت طيلة السنوات الماضية، مربط الفرس في أزمة ليبية غدتها بالدرجة الأولى تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية التي جعلت من الأرض الليبية ساحة حرب حقيقية لتصفية حساباتها وفرض منطقها. وجاءت دعوته باحترام قرارات مجلس الأمن الدولي في وقت لا يزال فيه اتفاق وقف إطلاق النار المعلن منذ شهر أكتوبر الماضي منقوص التطبيق بسبب استمرار تواجد القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا رغم تحديد الاتفاق لمهلة انتهت منذ نهاية جانفي الماضي لانسحابها. وتأتي دعوة كوبيتش في وقت سربت فيه وسائل إعلام أمريكية، مضمون تقرير سري أعده محققو الأممالمتحدة لفائدة مجلس الأمن الدولي، يؤكد خرق إحدى المؤسسات الأمريكية الأمنية الخاصة للحصار الذي تفرضه المنظمة الأممية على بيع السلاح إلى ليبيا. وتضمن التقرير، الذي رفعت النقاب عنه الصحيفتين الأمريكيتين "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، بأن إريك برينس، مؤسس شركة الأمن الخاصة "بلاك ووتر" ومؤيد قوي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قام بإرسال مرتزقة أجانب وأسلحة إلى العقيد الليبي المتقاعد، خليفة حفتر عندما كان يسعى هذا الأخير إلى الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني التي قادها فايز السراج والمعترف بها دوليا. وأضافت الصحيفتان أن هذه العملية التي كلفت 80 مليون دولار تضمنت تكوين "كومندوس" مختص في اختطاف واغتيال المسؤولين الليبيين الكبار، بما قد يتسبب في فرض عقوبات على صاحب الشركة الأمنية، إريك برينس الذي أدين أربعة من عملائه بقتل 14 عراقيا مدنيا بالعاصمة بغداد عام 2007 قبل أن يصدر ترامب عفوا عنهم العام الماضي. ويؤكد مثل هذا التقرير حقيقة الدعم الذي كان يقدمه الرئيس الأمريكي السابق لصالح، خليفة حفتر وقواته والذي مكنه من فرض منطقه العسكري على كامل الشرق الليبي وسعى حتى للإطاحة بفايز السراج غريمه في حكومة الوفاق الوطني المتواجد مقرها بالعاصمة طرابلس خلال هجومه على هذه الأخيرة، شهر أفريل 2019. وهو ما جعل السراج يستنجد هو الآخر بحلفائه وعلى رأسهم تركيا التي دعمته عسكريا بما مكن قواته من دحر مقاتلي حفتر الذين عادوا إلى معاقلهم الأصلية في بنغازي تحت ضغط تقدم القوات الموالية لحكومة الوفاق. والمفارقة أن الكشف عن تورط هذه الشركة الأمنية الأمريكية في خرق قرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، يأتي في الوقت الذي تلح فيه المجموعة الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة بوقف كل تدخل أجنبي في الشأن الليبي وخاصة المطالبة بانسحاب كل المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين شكلوا عبئا اضافيا على وضع أمني معقد في بلد لا يزال يبحث عن أمنه واستقراه منذ عشرية كاملة.