يُعد الفنانان البريطانيان لوريل وهاردي أشهر ثنائي كوميدي على الإطلاق منذ ظهور السينما والتلفزيون، إذ قدّما حوالي 107 فيلم ما بين 1927 و1953. وتجلت ظاهرة فنية مماثلة في الجزائر في 1968، جسّدها الثنائي لانسبكتور الطاهر ولابرانتي (المفتش الطاهر ومعاونه)، في مجموعة من الأفلام والتمثيليات، حققت نجاحا باهرا نعيشه حتى اليوم، لكن بعد رحيلهما فقدت الساحة الفنية هذا النوع التمثيلي الساخر، ولم يتجلّ خلف لهما إلا منذ أعوام، بفضل الثنائي "دقيوس ومقيوس"، اللذين اشتهرا بنقد الواقع بأسلوب تهكّمي. "دقيوس ومقيوس" سلسلة فكاهية يؤديها الممثلان الشابان نبيل عسلي ونسيم حدوش. ظهر الجزء الأول من العمل في رمضان 2018. وأضحى، منذ ذلك، موعدا ثابتا مع كل موسم درامي يحتضنه شهر رمضان على التلفزيون، وينتظره جمهور عريض لمتابعته. وقد تختلف أعمال المفتش الطاهر ولابرنتي عن "دقيوس ومقيوس" من حيث الشكل أو التقنية، لكنهما في المضمون متشابهان إلى حد بعيد. ففي دقيوس ومقيوس يستند الإخراج على المشاهد الثابتة والقصيرة، المؤدية غرضها بدون تكلّف، مما يعكس أسلوبا جديدا، بينما في المفتش الطاهر فهي مجموعة من الأفلام التي أُخرجت بشكل كلاسيكي تقليدي. أما عن مضمون الأعمال كلها فهو لا يخرج عن الإطار الاجتماعي، ونقد الواقع. وقد تختلف طريقة السرد الدرامي، غير أن الهدف واحد. ومن أجل معالجة مواضيع اجتماعية، سيق الثنائي دقيوس ومقيوس إلى فضاءات عديدة، لتعكس هذه الظواهر، التي يمكن أن تحدث في مقهى، أو سوق، أو سيارة طاكسي، وفي دار العجزة، التي كانت بمثابة المكان المناسب لرصد شقاوة الثنائي. وكان الممثل محمد الصغير بن داود، دفعا دراميا للسلسلة لما أدى دور المدير. ويُعتمد في "دقيوس ومقيوس" على فكرة السذاجة التي يتحلى بها "مقيوس" (نسيم حدوش)، وربما يصل به الأمر إلى الغباء والصبيانية. ويحاول "دقيوس" أن يظهر أكثر ذكاء، لكنه، في الأخير، لا يقل غباء عن صديقه. وهذه الصورة النمطية نجدها أيضا عند المفتش الطاهر (الحاج عبد الرحمان 1940-1981)، ومعاونه (يحيى بن مبروك 1920- 2004)، وهي نفسها التي يتسم بها الثنائي العالمي لوريل وهاردي. الثنائي المفتش الطاهر ومعاونه يعملان شرطيين لمحاربة مختلف أشكال الجرائم، بينما دقيوس ومقيوس شخصان كبيران في السن، يمضيان وقتهما في التسكع والتدخل في ما لا يعنيهما طوال الوقت، ولا يكفان عن إحداث المشاغبات والمشاكل. وبفضل أدائهما البارع يوفَّق الثنائي، غالبا، في تمرير رسائل عميقة من تحت باب الفكاهة. الجزء الرابع ل "دقيوس ومقيوس" دخل السباق الرمضاني لهذا العام 2022، بعد تجربتين ناجحتين في الجزء الأول ثم الثاني. ولاقى الثالث نقدا واسعا، كونه خرج من شخصية هذه السلسلة المبنية على شخصيتين، وذهب لينقل وقائع الحراك الشعبي، واعتقال العصابة إلى الدراما. قال عنه المتتبعون للشأن الفني، إن أوانه فات، وأن موعد عرضه لم يتماش مع هذه الأحداث، ثم عادت سلسلة "دقيوس ومقيوس" إلى ثوبها الأول الذي ألِفه جمهور واسع، وأحبوه.