اختتمت أمس بمركب »العادي فليسي«، أشغال ملتقى المسرح العربي والقضية الفلسطينية، الذي استمر على مدار ثلاثة أيام وعرف مشاركة كبيرة من الأساتذة والخبراء ورجال المسرح العربي، الذين دعوا إلى ضرورة جعل أب الفنون أداة للمقاومة ومنبرا للتعريف بالقضية في الداخل والخارج. افتتح الملتقى الدكتور واسيني لعرج الذي ترأس الأشغال، وأكد في كلمته، أن الجميع معني بفلسطين من خلال الثقافة اليومية ومن خلال الفن تحديدا، إنها تهمنا - كما قال - وتشكل منشغلا مركزيا يجب التعامل معه بالألوان والحركة، ولا يجب أن تكون استعارة منفلتة عن المعنى. ويضيف الدكتور واسيني، أن قضية فلسطين تجلت بوضوح في النصوص المسرحية عبر الأجيال العربية والفلسطينية، غير أن الجيل الجديد شهد تحولا أو هو بصدد ذلك، وهذا نتيجة الانقلاب العميق في عالمنا والذي تغير كل شيء معه. تحدث واسيني أيضا عن فلسطين باعتبارها قضية عربية، وكيف أصبحت عرضة للصراعات والنقاشات وكيف عليها أن توصل صوتها الى أبعد نقطة في العالم المبني على المظالم وعلى القيم أيضا، وكي تكون التراجيديا الفلسطينية حجة واستعارة تصفع العالم بقيمه، وتقنعه بأنها "هولوكست" آخر. من جهة أخرى، أكد واسيني » علينا أن لا نفكر بأننا الوحيدون في هذا العالم فلا نسمع لغيرنا ولا نلاحظ ما تكسر في هذا العالم (التغيرات)، إضافة الى اخراج القضية من الجانب السياسي والإيديولوجي الفج، وعلينا أن نعتبر أن القدس أكبر من المكان وأكبر من أن تنتهي بمجرد ضمها الى الآخر، إنها القدس بحائط المغاربة بعبق مدينة تلمسان وسيدي بومدين«. الجلسة الأولى للملتقى كانت بعنوان » المسرح الفلسطيني الخصائص، الأشكال والموضوعات«، وقد ترأسها الأستاذ إبراهيم نوال الذي دعا الى ضرورة تبادل الخبرات بين المشاركين حتى تكون مرجعية وانطلاقة لفكر قادر على المواجهة، بعيدا عن الصراخ والبكاء ومن أجل إقناع (بذكاء وجمال) بعض »الانتليجانسيا« العربية المتشائمة، أن النصر قادم، وأن أي انهيار لفلسطين هو انهيار لكل العرب. أول محاضرة كانت للدكتور كامل باشا من فلسطين بعنوان »المسرح الفلسطيني بين الهواية والهوية والاحتراف«، قرأها عنه أحد الحضور، وقد أوضح فيها معاناة المسرح الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال والرقابة المسلطة عليه، لذلك لم يتجاوز الطرح العام، وقد عانى هذا المسرح منذ سنة 1982 من نقص التمويل. ظهر بالقدس مسرح »الحكواتي« الذي يعاني هو أيضا من الخناق، كما ظهرت فرق مسرحية أخرى منها »السنابل«، »الجوال«، »الفنون المسرحية« وغيرها، وأغلبها يأتيها التمويل من الخارج، خاصة من الولاياتالمتحدة وأوربا، إلا أن التمويل قل في السنوات الأخيرة نتيجة الشروط التي تفرضها الجهات المانحة، في حين أن السلطة الرسمية الفلسطينية تعجز عن التمويل وتلتفت الى أولويات أخرى تراها أهم. وأشار المحاضر الى أن المسرح الفلسطيني لا شخصية له، فهو اجترار للمسرح العربي أو الأوروبي، وهو استنساخ لتقنيات المسرح الأجنبي، علما أن الراحل يعقوب إسماعيل رئيس المسرحيين الفلسطينيين، أعطى نظريته »الممر«، وهي طريقة جديدة لتمييز المسرح الفلسطيني لكنه لم يكملها للأسف. هناك أيضا رابطة المسرحيين الفلسطينيين التي انشئت عام 1989 والتي حاول أعضاؤها ان تكون مستقلة لا حزبا سياسيا؛ علما أن لها فرعين أحدهما في القدس والآخر في غزة. المحاضرة الثانية نشطتها الدكتورة سامية حبيب من مصر بعنوان »صورة القضية الفلسطينية في المسرح المصري المعاصر«، بدأت المحاضرة إطلالتها التاريخية منذ سنة 1945 وأعطت بعض الأمثلة عن بعض المسرحيات منها مسرحية » تشايلوك الجديد« لباياجير التي قدمت سنة 1945، و»رطل اللحم« التي قدمت سنة 1988، وكلتاهما مسرحية واحدة مقتبسة عن شكسبير في »تاجر البندقية«، إضافة الى مسرحية »وطني عكا« لعبد الرحمن الشرقاوي، و»نار وزيتون« لألفريد فرج، إضافة الى مسرحيات أخرى ذات إسقاط معين على القضية الفلسطينية، كمسرحية »الوزير العاشق« التي أدتها سميحة أيوب والراحل عبد الله غيث بالجزائر. كل تلك المسرحيات وغيرها تبرز فكرة المقاومة والتضامن مع فلسطين، وهي قريبة من المسرح الملحمي والمخاطبة المباشرة مع الجمهور، الأمر الذي يقلل الفعل الدرامي، إضافة الى النقاشات الطويلة في المسرحية، مما يسبب الملل والتيهان والتكرار مثل مسرحية »اليهودي التائه«، وغياب التوازن، أي عرض العربي دائما طيبا وبريئا وبطلا، واليهودي خائنا، أحمقا ومحتلا. المحاضر أنور محمد من سوريا، تحدث عن »الشخصية الفلسطينية في المسرح الإسرائيلي«، وأكد بداية ان اسرائيل تعطي اهتماما منقطع النظير للمسرح، وقد ظهر هذا الفن عندها في أوائل القرن ال20، وفي الفترة من 1911 الى 1948 ظهرت 17 مسرحية تتناول الشخصية العربية، ومن 1948 الى 1967 أنتجت 26 مسرحية عن هذه الشخصية، هي أعمال ساخرة متهكمة لكل ما هو عربي، ومن 1982 إلى 1990 أنتجت 100 مسرحية بحضور عربي لكنه أكثر اعتدالا.