لم تمض الذكرى 66 لاقتحام وتدمير مركز الجيش الاستعماري الفرنسي ببلدية معافة في دائرة عين التوتة، التي قام بها جيش التحرير الوطني ليلة 30 ماي 1956، دون أن يتذكر رفاق السلاح، مآثر الثورة التحريرية ومناقب الشهداء الأبرار، حيث عاشت منطقة معافة أجواء احتفالية مهيبة، مؤخرا، إذ تذكر رفقاء التحرير خلالها، المجاهد المرحوم سي صالح زيداني، قائد هذه العملية، مؤكدين في شهاداتهم أنه نموذج للوطنية. ع. بزاعي وفق ما أفادنا به نجله المجاهد المرحوم سي صالح زيداني، السيد نبيل، فإن والده انتقل سنة 1951 إلى فرنسا، بحثا عن العمل، وقد وظف بمصنع "بفوي" قرب مدينة مارث وموزال، وهناك أقام علاقات صداقة مع مناضلين في حزب الشعب الجزائري، قبل أن يصبح عضوا مهما وبارزا في هذا التنظيم الذي انخرط في صفوفه، وكان محل ثقة عندما كلف بمهام رئيس مجموعة بمكتب التحسيس، وتندرج أهداف هذا المكتب، حسب المتحدث، في شرح أهداف الحركة الوطنية لمصالي الحاج. ليعود مجددا إلى بطولات والده، بعدما ذكّر بنشاطه في بدايات الثورة المباركة، وظل المجاهد سي الصالح في ربوع الأوراس منهمكا في الدفاع عن الوطن. في سبيل التحصيل العلمي وتنويع معارفه، انتقل إلى مدينة قسنطينة، للالتحاق بزاوية الشيخ بلحملاوي، التي سجل بها في القسم الداخلي، وقد وضع نصب أعينه الذهاب بعيدا في دراسة القرآن في زاوية الشيخ يحي أوموسى، بأعالي جبال سيدي عيش، والتي يشرف عليها شيوخ ممتازون، حيث قضى 6 أشهر كاملة هناك، تمكن خلالها من حفظ القرآن وختمه، لينتقل بعد ذلك إلى زاوية الشيخ الطاهر آيت أوجري، من أجل مراجعة القرآن الذي حفظه على يد هذا العلامة المعروف بالمنطقة، في خلال 6 أشهر. قبل أن يتنقل فيما بعد إلى زاوية تيزي العرش بسيدي عيش، والتي يشرف عليها إمام مدرس للغة العربية وعلم الفقه. عرف المجاهد سي الصالح، خلال إقامته بمنطقة القبائل، بطيبة الخاطر وحسن السلوك ومهاراته الفكرية، مما جعله محل احترام وتقدير من قبل الجميع في هذه القرية، وطلب منه تعليم تلاميذ المنطقة دون تردد، قبل المهمة التي أسندت إليه، ونظرا للسمعة الطيبة التي يتمتع بها، على غرار الأخلاق الكريمة، أثار انتباه أحد أثرياء القرية، الذي يعيش رفقة زوجته، وابنته الوحيدة التي اقترحها عليه للزواج على سنة الله ورسوله، وهو مشغول في هذه الفترة بالواجب المقدس اتجاه الوطن، رفض بطريقة مهذبة الاقتراح، ليعود مجددا للأوراس من أجل إعالة عائلته. يضيف نبيل زيداني، نقلا عن روايات والده، أن المرحوم تمكن من تأطير مجموعة مهمة من الشبان من معافة، من ضمنهم السادة مسعود مذكور، صالح بن بوزة، سعيد بوخبالت، قدور ناصر وعبد الله مدور، وتمكن بعدما تنقل إلى منطقة بيطام، من الاتصال بأحمد سلامي وعمر زيرق، ليتمكن من تجنيد في صفوف جيش التحرير الوطني ما لا يقل عن 12 مسلحا مستعدا لمقاومة العدو، اصطحبهم إلى جبل متليلي، بالمكان المسمى أولاد سلطان، أين التقوا محمد الشريف بن عكشة. ومن ضمن الذين تم تجنيدهم على مستوى عين التوتة وبعض المناطق المجاورة لها، وكان سي الصالح وسيطا في العملية، أحياء على قيد الحياة، بعدما سقطت أغلبيتهم في ميدان الشرف، لتحيا الجزائر حرة مستقلة، منهم أحمد جوزة المدعو ابن يعقاقن، حاج ابركان محمد، سي على كعنيت وإسماعيل من تيبحيرين، علي بن تومي من دوار تاعنانت، وحقني عبد الله. أكد السيد نبيل، مجددا، أن والده هو من قاد عملية تدمير مركز الجيش الفرنسي التي حضّر لها لسنة كاملة، وكبد العدو خسائر فادحة بمعافة يوم 30 ماي 1956، حيث قتل حوالي 40 جنديا فرنسيا، من بينهم ضابط برتبة ملازم أول، والتحق 17 عسكريا من المجندين الجزائريين بالجيش الفرنسي، بصفوف الثورة، فضلا عن الغنائم الحربية من أسلحة وذخيرة وقطعتي مدفع هاون، وثلاث رشاشات من نوع 24/29 وحوالي 100 قطعة سلاح حربي من نوع فيزي ماص. وماط 49 وثلاثة أجهزة إرسال لاسلكي وكمية كبيرة من القنابل اليدوية، واستشهد في العملية أربعة مجاهدين حسن الجيجلي، علي عرعار الطاهر مهماهي ومسعود بلاندي، بعدما نفذت خطتها بأحكام مع مجموعة من المجاهدين، وعددهم 32 جنديا، وتمت عملية الاقتحام بواسطة 8 مجاهدين، من بينهم المجاهدين صالح زيداني وصالح بوزيدي، هذا الأخير الذي يعد أحد المتبقين وما زال على قيد الحياة، بعد التخلص من أحد الحراس، وكان قد أبلغ بذلك الشهيد زكور عمر، ليتولى بدوره أخبار قادة الجيش بواسطة زكور اسماعيل بن عمار، وتم تنفيذ العملية، حسب الخطة المتفق عليها مع نزار صالح، الذي قال في شأنه المرحوم سي الصالح زيداني في تصريح سابق ل"المساء"، قبل وفاته، إنه فعلا ساهم في خدمة الثورة، ولا داعي للتشكيك في جهاده. وجرت عملية الاقتحام في وجود الشهيد نزار صالح وقسمون مختار، والذي كان من المجندين في صفوف الجيش الفرنسي ممن قدموا الدعم اللازم في هذه العملية، وكان ذلك في حدود الساعة الواحدة صباحا، وكانت ساعة واحدة كافية لصنع هذه الملحمة البطولية التي قاده سي صالح زيداني برتبة مرشح. يضيف نجله ونقلا عنه: "قبل يوم من الهجوم على مركز الاستعمار الفرنسي بجبل قرون، أرسل سي الصالح زيداني، رسالة مع الكاتب الخاص به الشهيد محمد الشريف بن عكشة، الذي كان يقود كتبييتين عسكرية، لمد يد المساعدة لمجموعة، قصد الهجوم على مركز الاستعمار الفرنسي، إلا أن الشهيد وصل متأخرا بساعة ونصف الساعة إلى جبل قرون المحاذي للمركز، بعد رؤيته للنيران المشتعلة من المركز، قال مقولته الشهيرة: "هذه اللخرة تاع سي الصالح زيداني"، ثم غادر ورفاقه نحو كيمل، وذكر نبيل زيداني أن علاقة الشهيد بن عكشة بوالده كانت جيدة، وأن والده من أصر على استقدامه من كيمل، رغم معارضة مجاهدي منطقة معافة بشدة. انتقل سي صالح، الذي قضى 9 أيام في المخبأ، هروبا من جحيم القصف العدواني لمعافة، انتقاما للعملية، إلى الصومام، بمنطقة القبائل سنة 1956، من أجل حضور المؤتمر الوطني، ولم يسعفه الحظ لحضور فعالياته، والتقى بالمناسبة العقيد عميروش، الذي لم يكن بعد قد تلقى خبر استشهاد الشهيد مصطفى بن بولعيد، بعدما أمر شقيقه عمار، بعدم الإعلان عن ذلك وما إن علم العقيد عميروش بالخبر، حتى قرر التنقل إلى منطقة الأوراس وطالب من شقيق بن بولعيد، اختيار الأشخاص الذين سيرافقونه للولاية التاريخية الأولى، وقد وقع الاختيار على سي الصالح رفقة يوسف يعلاوي، الشيخ اعمر وكاتبين اثنين، وبجبال شيليا مكثوا يومين، وفي طريقهم مشيا على الأقدام بمسالك الجبال إلى مقر الولاية، التقوا عجول عجول، ووقعت اشتباكات مع المجموعة المنضوية تحت لواء عمار بن بولعيد، ولحسن الحظ لم تحدث خسائر بشرية، واتخذ العقيد عميروش وجهة مجهولة، ورافق سي الصالح ومجموعته عمار، وبعد انقضاء 4 أيام، قرر سي الصالح مغادرة كيمل، للعودة إلى مدينة عين التوتة، أين التقى محمد الشريف بن عكشة، ليواصل بعد ذلك نشاطه بإنشاء لجان محلية للكفاح، وعين مسؤولي المداشر وأنشأ قسمة بمعافة، برئاسة مسعود حرسوس، والكاتب محمد الصالح بلاخ، وبعد تعيين مسؤولي القسمات، عين سعاة البريد المكلفين بنقل البريد للفدائيين. بعد الاستقلال، رفض سي الصالح، تسليم الهبات والعطايا التي جمعها من نقود وذهب وسجلات حربية، لمسؤول الناحية موسى رداح، دون تنظيم جمعية عامة للمجاهدين، إلى أن تحصل على قرار تحويل في الثاني من شهر جويلية للناحية الثالثة سطيف، خلفا للمجاهد محمد الشريف عباس المحول إلى مدينة بسكرة، بمقرر تحويل يحمل رقم 271 في تاريخ 03 جويلية 1962م، حيث تم استلام المهام وتقديم الهبات والوثائق التاريخية للمعنيين. كما تقلد سي الصالح، الذي كان محل بحث من السلطات الاستعمارية، التي خصصت مبلغ 30 مليون فرنك للتبليغ عنه والقبض عليه حيا أو ميتا، وحضر فيما بعد بتاريخ 19 مارس 1962، تاريخ وقف إطلاق النار، مراسيم توقيع اتفاقيتي وقف إطلاق النار، وإعادة تسمية مدينة عين التوتة باسمها الأصلي، دون تسمية "ماك ماهون"، بحضور رئيس البلدية جورج ماير. كما تقلد عدة مناصب بعد الاستقلال كمنسق قسمة، ومحافظ جهوي بباتنة، ومسؤول في الجيش الوطني الشعبي، ومسؤول سياسي بعين التوتة، ورئيس قدامى المجاهدين وضحايا الحرب بقسمة عين التوتة، قبل أن يحول إلى سلك الأمن الوطني ضابطا يوم 4 نوفمبر 1966. مر بعدة أزمات وظل يحمل في صمت معاناة، بعدما أحس بالتهميش والإقصاء، إلى أن لزم الفراش بالمستشفى، بعدما أصيب بانهيار عصبي، وظل يصارع المرض إلى أن وافته المنية يوم 30 نوفمبر2013، بعدما عاش بعد الاستقلال بين أهله فخورا بوطنه، داعيا إلى لمّ الشمل والحفاظ على مكسب الحرية التي دفع ثمنها الشعب الجزائري النفس والنفيس. قال محدثنا في حديث سابق قبل وفاته: "أنا راض وكافحت بمعية رفقاء الدرب لافتكاك الاستقلال، لا المناصب والجاه والاستعمار، مطالب بالاعتذار للجزائريين بعدما فشل من النيل من عزيمتنا، رغم مرارة ووحشية العذاب". للإشارة، كان المرحوم سي الصالح زيداني، قد تلقى رسالة شكر من المدير العام الأسبق المرحوم علي تونسي، تثمينا لشهاداته الحية التي دونها في كتاب قبل وفاته، والتي تعكس السيرة النضالية لنشاطه إبان حرب التحرير، وتم وضع الكتاب في المتحف المركزي للشرطة، إثراء للمكتبة، كما ورد في نص الرسالة التي تلقاها المرحوم، والمحررة يوم 20 جانفي 2004. الحاجة زيداني تستحضر ذكرى تفجير مركز الجيش الفرنسي بمعافة تروي الحاجة عائشة، حرم المرحوم المجاهد الصالح زيداني، أحد أبرز الشخصيات المجاهدة بالولاية التاريخية الأولى، والذي قام باقتحام مركز التعذيب بعين التوتة يوم 30 ماي 1956، تجربتها النضالية في خدمة المجاهدين ونصرة القضية الوطنية، بأسلوب بسيط، تصف فيه مشاركة المرأة الجزائرية في معركة التحرير بالفعالة. أكدت محدثتنا في لقاء "المساء" بها في باتنة، عشية الاحتفال بالذكرى 66 لاقتحام وتفجير مركز الجيش الفرنسي بمعافة، على أهمية الذكرى، وذكرت في السياق، أن زوجها هو من قادها ونفذت خطتها بأحكام مع مجموعة من المجاهدين، وعددهم 32 جنديا، وتمت عملية الاقتحام بواسطة 8 مجاهدين، من بينهم المجاهدين المرحوم صالح زيداني وصالح بوزيدي، هذا الأخير الذي يعد أحد المتبقين للقائد على قيد، بعد التخلص من أحد الحراس. ولأول مرة، تستعرض نشاطها خلال الثورة، وأسهبت في الحديث عن الثورة المباركة، بعدما استحضرت ذكرى تفجير المركز، لتروي بمرارة ويلات الاحتلال الفرنسي وما عانه الشعب الجزائري. عرفت السيدة عائشة بنضالها في منطقة معافة بعين التوتة، ولاية باتنة، وتاريخها البارز في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي، ولو أنها لم تحمل السلاح، واكتفت بمواكبة المجاهدين في المنطقة، وساعدت المجاهدين في عملية تدمير مركز الجيش الفرنسي بمعافة يوم 30 ماي 1956، وتكبد فيها الاستعمار خسائر فادحة، كما أشارت في حديث خصت به "المساء"، وهي تسرد وقائع هذه العملية التي أذهلت كبار المسؤولين العسكريين الفرنسيين في تلك الفترة، وهي تذرف دموعا، بعدما استحضر وقائع رد المستعمر العنيف الذي قام بانتقام جهنمي على قرى المنطقة، على غرار الفتاتشة ومعافة، بعدما شرد سكان المنطقة وأحرق بيوتهم واعتقل العديد من العزل، جددت دعوتها للشباب من أجل الاقتداء بجيل الثورة ممن حرروا الوطن من قبضة الاستعمار، والحفاظ على مكتسبات الثورة. كما عادت للحديث عن المرأة الجزائرية ومشاركتها الفعالة خلال الثورة، مستدلة بنماذج العديد من المجاهدات وشهيدات القضية، في هذا السياق، استحضرت مرارة الاستعمار ومضايقاته للمرأة بمعافة، خصوصا تلك العينة من النساء اللائي ساهمن بكثير في مؤونة المجاهدين. كما تحدث بإسهاب عن الثورة المباركة التي وصفتها بنموذج الحركات التحررية في العالم.