دخلت الأزمة السياسية في إيران أمس منعرجا خطيرا بعد أن تم ولأول مرة منذ ميلاد الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثة عقود تحدي تعاليم مرشد الجمهورية أية الله علي خامينائي الداعية إلى وقف المسيرات الاحتجاجية وعدم الاحتكام إلى منطق الشارع . وكان مقتل 13 شخصا في مواجهات أول أمس بمثابة مؤشر خطير في معادلة السلطة الإيرانية ينذر باحتمالات انزلاق قادم سيكون من الصعب احتواؤه بطرق سلمية ودون إراقة مزيد من الدماء في الشارع الإيراني. وإذا كان المترشح الخاسر في انتخابات الثاني عشر جوان الجاري مير حسين موسوي قد أكد في عديد المرات انه ليس ضد النظام الإيراني إلا ان ذلك لم يمنعه من تحدى خطاب مرشد الثورة بعد ان خرج مناصروه إلى شوارع العاصمة طهران التي شهدت اعنف مواجهات لم يسبق لتداعيات الأزمة السياسية في هذا البلد أن عرفتها منذ الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة. وأكدت مصادر إيرانية أن متظاهرين أقدموا على حرق مسجد أودى بحياة عشرة أشخاص في نفس الوقت الذي تم فيه استهداف ضريح الإمام الخميني في عملية تفجير انتحاري في سابقة قد تحمل العديد من الدلالات السياسية إذا عرفنا المكانة التي يتمتع بها هذا الأخير لدى عامة الشعب الإيراني. ويؤشر ذلك على وجود تحولات بين أجنحة النظام السياسي في إيران وحتى في التوجهات العامة للشعب الإيراني بين جيل من عايشوا ثورة الإطاحة بشاه إيران وبالجيل الذي أعقب تلك الثورة والمتأثر بتبعات الثورة العلمية والانفتاح الحاصل في العالم. ورغم الهدوء الحذر الذي ساد شوارع العاصمة أمس إلا أن ذلك لم يمنع من تأكيد وجود حالة من التململ الخفي الذي ينذر بانفجار قادم للوضع وخاصة في ظل تمسك المرشح مير حسين موسوي بموقفه الرافض لنتائج الانتخابات وإصراره على إعادتها بقناعة أنها زورت على نطاق واسع لتمكين الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد من عهدة ثانية مما يستدعي إعادة إجرائها. ولم يتوان موسوي في رسالة نشرت على موقع تابع له على شبكة الانترنيت اتهام مرشد الجمهورية بانتهاك أسس الديمقراطية للجمهورية الإيرانية بعد أن أيد نتائج الانتخابات وتزكية فوز الرئيس نجاد، حاثا مناصريه إلى مواصلة مسيراتهم الاحتجاجية بطريقة سلمية إلى غاية إرغام السلطات على إعادة الانتخابات. ولكن موسوي الذي يصر على سلمية المسيرات لم يتمكن من إبقائها في هذا الإطار بدليل عدد القتلى الذين سقطوا في مواجهات أول أمس بالإضافة إلى الخسائر المادية التي طالت المنشآت ووسائل النقل العمومية والخاصة التي تم إضرام النار فيها في شوارع مدينة طهران. وعاشت العاصمة الإيرانية مساء السبت اعنف المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين استعملت فيها القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه في نفس الوقت الذي لجأ فيه المتظاهرون إلى استعمال الحجارة والأسلحة البيضاء للتصدي لتعزيزات قوات الأمن وحراس الثورة الذين تم نشرهم بإعداد كبيرة في ساحات وشوارع العاصمة في محاولة لاحتواء الوضع ومنع توسع رقعة المواجهات. وفي ظل تواصل الغموض التام حول حقيقة ما يجري ومنع السلطات الإيرانية مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في إيران من تغطية الأحداث كثفت الدول الغربية من ضغطها الإعلامي والدبلوماسي على السلطات الإيرانية بمبرر حماية حقوق الإنسان ووقف عمليات اعتقال وملاحقة المتظاهرين. وهو ما دفع بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى مطالبة الولاياتالمتحدة وبريطانيا بوقف تدخلاتهم في الشوؤن الداخلية لبلاده. واتهم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أمس بريطانيا بالتورط في إثارة أعمال الشغب التي تشهدها بلاده وهو الاتهام الذي نفاه بصورة قطعية وزير الخارجية البريطاني يفيد مليباند. وقال متكي أن بريطانيا عملت منذ أكثر من سنتين من اجل التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية من خلال نشر عدد من عناصر مخابراتها في إيران في المدة الأخيرة.