نشرت وزارة الثقافة والفنون، مؤخرا، قائمة المشاريع الحاصلة على دعم ضمن إعانة الدولة لترقية الفنون والسينما برسم عام 2023، والذي خصصت له مبلغا قُدر، إجماليا، ب 862 مليون دينار. وقد شملت مختلف المجالات الفنية؛ مثل السينما، والمسرح، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والرقص. كما نشرت المبالغ المخصصة لكل فئة في إطار هذا الدعم، على الموقع الرسمي لوزارة الثقافة. لم يسبق لوزارة الثقافة والفنون أن كشفت عن المبالغ الموجهة في إطار الدعم، وهو الأمر الذي أشاد به العديد من المهتمين والمتابعين، والذي من شأنه أن يجعل المجال أكثر شفافية. وكذلك يمكن متابعة هذه الإعانات المالية، إلى أين تذهب؟ وكيف صُرفت؟ وهل المشاريع المختارة تستحق، فعلا، الدعم؟ وهو ما سيجعل أصحاب هذه المشاريع أمام أعين الجميع؛ سواء الدولة من خلال الوزارة الوصية، وأمام الإعلام، والحركة الفنية والثقافية ككل. ووضعت وزارة الثقافة والفنون تركيزها على الجوانب الإبداعية والهوية للمشاريع الفنية، التي تم الموافقة عليها من قبل لجنة القراءة والمساعدة في الفنون والآداب لعام 2023؛ بهدف الاستفادة من دعم الدولة لتعزيز الفنون والسينما. وتم اختيار هذه المشاريع بناء على مساهمتها في إثراء الساحة الثقافية، واتصالها العميق بالتاريخ الوطني. اهتمام بمسرح الطفل.. استشراف لمستقبل الخشبة في الجزائر وكأول قراءة يمكن أن نمنحها لاختيارات الوزارة، اهتمامها الواضح بمسرح الطفل؛ ذلك أنه كان مطلب المسرحيين والأكاديميين، نادوا به في العديد من الملتقيات والمهرجانات والمناسبات، فقد وهبت الوزارة ميزانية 72 مليون دينار للعروض المسرحية المخصصة للصغار، لإنجاز 51 عملا مسرحيا، وهو ما سيشكل إنتاجا غزيرا وهاما لهذه الشريحة؛ لإثارة خيالهم، وتغذية فضولهم الفني. وتعكِس هذه المبادرة الوعي بأهمية زرع حب المسرح منذ سن مبكرة، عسى أن يكونوا، لاحقا، مستقبل المسرح الجزائري الواعد. هذه المشاريع المختارة سيعكف عليها عدد من المسارح الوطنية، وكثير من التعاونيات والجمعيات الخاصة بالمسرح؛ إذ ستكون فرصة، أيضا، لتحريك النشاط الراكد لها، لا سيما في السنوات الأخيرة. وتلقّى المسرح نصيبا كبيرا من التخصيصات؛ حيث تبلغ الميزانية أكثر من 62 مليون دينار، وهي مخصصة للأعمال المسرحية الموجهة للجمهور البالغ، منها 7 أعمال تنتجها مسارح جهوية. وهنا نسجل عودة المخرج محمد شرشال بعمله الجديد "ميتا شو" مع المسرح الجهوي كاتب ياسين تيزي وزو، بعد آخر عمل له "جي بي أس" التي تُوجت في 2019 بالجائزة الأولى في المهرجان العربي للمسرح في الأردن، بالإضافة إلى 10 مشاريع تقوم بها التعاونيات الثقافية، و19 مشروعا للجمعيات. كما أولت الوزارة اهتماما خاصا بفن العرائس، الذي كان يعاني من التهميش، وهو ما يعكس الرغبة القوية في تقدير هذا النوع الفريد من التعبير الفني. أكثر من نصف الميزانية الكلية موجهة للسينما وأخذت المشاريع السينمائية المعتمدة أكثر من نصف الميزانية الكلية الخاصة بالدعم، بتكلفة إجمالية تصل إلى 470 مليون دينار موجهة ل 31 مشروعا، منها 12 فيلما طويلا. هذا الدعم المالي يهدف إلى تحفيز إبداع صناع الأفلام المحليين، وتنويع المشهد السينمائي بأعمال تعكس تاريخ وثقافة البلاد. وليست الأفلام القصيرة والوثائقية ومرحلة ما بعد الإنتاج بعيدة عن هذا الدعم؛ إذ تمت الموافقة على 6 مشاريع للأفلام القصيرة، و9 مشاريع للأفلام الوثائقية، و4 مشاريع لمرحلة ما بعد الإنتاج. وفي هذا الشأن، نذكر أن فيلم "يد مريم" للمخرج يحيى مزاحم وكاتب السيناريو يوسف بعلوج، قد استفاد من الدعم المالي ضمن مرحلة ما بعد الإنتاج، بعد سنوات من الانتظار. هذا الفيلم الطويل الذي تم الانتهاء من تصويره في عام 2021، يجمع بين نجوم من وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بسبب نقص في التمويل، لم يُعرض. دعم النشاطات والتظاهرات الثقافية والفنية وقدّمت وزارة الثقافة تمويلا بقيمة 48 مليون دينار لدعم ورشات التكوين والتظاهرات الثقافية، مما يمنح الفنانين فرصا للتطوير ومشاركة المعارف. ويمتد التزام الترويج للثقافة إلى مجالات تتجاوز الأداء الفني؛ بهدف تعزيز المهارات، وتشجيع التبادل المثمر. ونلاحظ في القائمة خلق تظاهرة مسرحية جديدة، عنوانها أيام مسرح دول الساحل، التي ستنظمها إدارة المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي؛ إذ تُعد هذه الفعالية مناسبة مهمة كمنصة للتلاقي بين ثقافات دول الساحل، والتبادل الثقافي. ويسلَّط الضوء على تنوع التعبيرات الفنية في هذه الدول. ويجدر بالذكر أن هذا الحدث المسرحي هو الأول من نوعه الذي يُعنى بهذه المنطقة. ولم تغفل وزارة الثقافة والفنون الفنون الأخرى، على غرار الموسيقى، والفنون التشكيلية، والرقص، وخصصت تمويلات بقيمة 11 مليون دينار للموسيقى، و16 مليون دينار للفنون التشكيلية، و14 مليون دينار للرقص. وهذه المجالات الفنية تتلقى دعما ماليا يساهم، وفقا لوزارة الثقافة، في تعزيز الإبداع المحلي، وتنويع أشكال التعبير الفني. اِلتزام بتحقيق المشاريع في آجالها وأكدت الوزارة التزامها بتنفيذ هذه المشاريع في نفس الجدول الزمني للمشاريع التي تم تنفيذها وتمويلها سابقا خلال احتفالية ستينية الاستقلال، والتي سُلمت في الأوقات المحددة، بأبعاد فنية وإبداعية مميزة، بفضل تحديث الاتفاقيات التي تربط مستفيدي الدعم بوزارة الثقافة والفنون. وتم التركيز في اختيار المشاريع على إظهار إبداع الشباب الواعدين، أفكارًا مبتكرة ومعاصرة، ومنح الأولوية للتعاونيات الثقافية، التي من المقرر أن تتحول إلى مشاريع ثقافية صغيرة، تقدم آلية الدعم المالي تغطية جزئية بدلاً من تغطية كلية؛ بهدف منح حمَلة المشاريع فرصة للبحث عن رعاة، وفقا للقانون.