جثث متفحمة وأشلاء آدمية في كل مكان وسماء غطتها رائحة البشر ممزوجة بروائح المواد المتفجرة ودخان منبعث في أجواء المدينة في ديكور مرعب لمشاهد انزلاق أمني غير مسبوق في العراق منذ عدة أشهر. عاش العراق أمس أدمى أيامه منذ انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن نهاية شهر جوان الماضي بمقتل95 شخصا وإصابة المئات الآخرين في سلسلة تفجيرات انتحارية استهدفت مؤسسات حكومية ومباني تجارية وسط العاصمة بغداد. فقد لقي ما لا يقل عن95 شخصا مصرعهم وأصيب 560 آخرين معظمهم سقطوا في تفجيرين انتحاريين استهدفا وزارتي الخارجية والمالية في قلب العاصمة بغداد. وارتفعت هذه الحصيلة الدامية تباعا من تسعة قتلى إلى 20 ثم 30 ثم 45 لتصل إلى 75 ثم 95 وهي لا تزال مرشحة للارتفاع بسبب كثرة الإصابات وخطورتها إضافة إلى بقاء العديد من الضحايا تحت الأنقاض. وتعد تفجيرات أمس الأكثر دموية في العراق منذ التفجير الانتحاري الذي استهدف في الفاتح فيفري من العام الماضي سوقا شعبية في بغداد وخلف مصرع 98 قتيلا. وأحصت وزارة الداخلية العراقية عدد الهجمات والتفجيرات التي هزت قلب العاصمة بغداد بستة تفجيرات وقعت بفوارق زمنية قصيرة أثارت هلعا كبيرا وسط السكان وخلفت دمارا هائلا. وفي أول رد فعل على هذه التفجيرات حملت السلطات العراقية من أسمتهم بالبعثيين والمتطرفين مسؤولية هذه الهجمات. وكان اعنف تفجير نفذ بشاحنة مفخخة ذلك الذي استهدف مقر وزارة الخارجية العراقية وأدى إلى سقوط 47 قتيلا و195 جريح الذين تناثرت أشلاء جثثهم على مسافة كبيرة من مكان وقوع التفجير فيم بقيت جثث بعض الضحايا متفحمة داخل سياراتها التي كانت مارة في المكان لحظة وقوع الانفجار في مشهد ظن العراقيون انه أصبح من الماضي. كما خلف التفجير حفرة بعمق ثلاثة أمتار وبقطر بلغ عشرة أمتار على بعد مسافة قصيرة من مدخل المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا في كامل العراق والتي تضم مقر السفارة الأمريكية وباقي السفارات الغربية. بينما استهدف ثاني اعنف تفجير مقر وزارة المالية مما أدى إلى مقتل 28 شخصا وإصابة 95 آخرين. وانفجرت شاحنة مفخخة كانت مركونة تحت جسر طريق سريع يربط شمال العاصمة بجنوبها مما تسبب في انهيار الجسر وإلحاق أضرار بالغة بمبنى وزارة المالية الذي سبق ودمر عن كامله في تفجير مماثل عام 2007 . وبالموازاة مع ذلك انفجرت سيارة مفخخة قرب مقر الجامعة المستنصرية شرق بغداد إضافة إلى سقوط قذائف هاون على مطار بغداد الدولي متسببة في وقوع خسائر مادية. كما انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة قرب مرآب النهضة بوسط بغداد فيما سمع دوي انفجارات قرب مديرية التقاعد العامة في ساحة الشهداء قرب شارع حيفا وسط بغداد. وتأتي هذه التفجيرات التي استهدفت رموز الحكومة العراقية عشية حلول شهر رمضان الكريم وهو الشهر الذي عادة ما تتصاعد فيه وتيرة العنف في هذا البلد الممزق مما يضع القوات العراقية أمام تحد صعب في حفظ الأمن في هذا الشهر المبارك وهي التي عجزت عن منع وقوع مثل هذه التفجيرات حتى في الأكثر الأماكن تحصينا. وأخذت دوامة العنف في العراق في الفترة الأخيرة منحى جد خطير بعد تضاعفت العمليات الانتحارية والهجمات خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن نهاية شهر جوان الماضي. ويضع هذا الوضع المتأزم الحكومة العراقية في موضع حرج وهي التي كانت أكدت قدرة قواتها على فرض القانون وحفظ الأمن بعد انسحاب نظيرتها الأمريكية لكن واقع الحال اثبت إلى حد الآن عكس ذلك ويؤكد ان الأمور قد فلتت مجددا من أيدي السلطات العراقية التي بقيت عاجزة أمام احتواء الوضع. وأثارت هذه التفجيرات استنكارا دوليا واسعا عبرت على إثرها مختلف العواصم الدولية وقوفها إلى جانب الحكومة العراقية للتصدي لهذا الانزلاق الأمني.