بانسيابية وهدوء، استطاعت المغربية كريمة الصقلي، أن تفرض موهبتها الغنائية واحترامها على جمهور مغربي وعربي واسع من عشاق الطرب الأصيل، في هذا الزمن الذي لا يحتفل سوى بالأغنية "المصورة" و"المفصلة" على مقاس أجساد مغنيات العصرالتلفزيوني الفضائي· ظهرت موهبة الصقلي الغنائية وميولاتها الفنية في سن الطفولة، اذ كانت تغني بإتقان وهي في ربيعها التاسع اغنية "أغدا القاك" احدى كلاسيكيات سيدة الطرب العربي ام كلثوم، رغم صعوبة ادائها، الا ان أسرتها المحافظة كانت تخشى دخولها عالم الغناء المليء بالمغامرات، "فظل صوتي حبيس الجدران لدرجة أنني تمنيت الغناء لحد البكاء، وذلك بسبب خوف والدي الشديد علي من الإغراءات والشائعات التي تطارد الفنانين"·· تقول كريمة الصقلي· ورغم انها حصلت على تأشيرة الدخول الى عالم الطرب بعد انتظار طويل، الا ان خطوتها الاولى كانت محسوبة وحققت لها شهرة وسمعة طيبة منذ اول مشاركة لها على المستوى العربي، وذلك من خلال احيائها لحفل فني في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية بدار الأوبرا في نوفمبر 1999، في ليلة خصصت لتكريم المطربة الراحلة اسمهان· ومنذ نجاحها في دار الاوبرا، توالت مشاركاتها في المهرجانات المحلية والعربية، ومهرجانات في سائر انحاء المعمورة، برفقة كبار العازفين والمطربين مثل نصير شمة، ولطفي بوشناق والملحن وعازف العود المغربي، سعيد الشرايبي، الذي كونت معه ثنائيا مبدعا، وقدم لها مجموعة من الالحان في بداية خطواتها نحو الاحتراف، مثل اغنيتي "ظلال" و"العشاق"، وهما قصيدتان للشاعر المغربي المعروف عبد الرفيع الجواهري، الذي غنت له كذلك قصيدة "خبئي الشمس" من الحان عزيز حسني، و"طفولة الحجر" من تلحين عبد العاطي امنا، ومن اغنياتها ايضا "أغار"، وهي قصيدة للشاعر السعودي محي الدين خوجة، والحان نعمان الحلو، و"نداء الاسير" من كلمات مصطفى الطالبي والحان محمد الحراق وتوزيع كريم السلاوي، و"تسبيحة عاشق" وهي قصيدة للشاعر ابو بكر باكر والحان بدر الدين الوهابي، وغنت ايضا اشعارا صوفية قديمة، كما رافقت ايضا الفنان العراقي نصير شمة في قراءات شعرية ومعزوفات غنائية· وفي هذا السياق، تقول الصقلي "أنا أعشق القصيدة، وأهوى الكلمة الفصيحة والمعبرة التي تحمل معنى عميقا"· اما ما يجمعها بإسمهان، التي كانت جواز سفرها نحو قلوب الجمهور العربي، فهناك اشياء كثيرة، فهي وان كانت قد اتقنت اسلوبها في الغناء، الا انها ترفض تقليدها، فهذه المطربة التي لف الغموض حياتها ورحلت باكرا، تعتبرها الصقلي "مدرسة فنية راسخة ومستقلة، مكنتني من اكتشاف ذاتي ومن التحرر، ورغم عشقي لها فأنا لا اسعى إلى تقليدها لأن لها صوتها المميز، ولي صوتي المتواضع، الذي أتمنى ان يصل الى القلوب العاشقة للكلمة الجميلة"· الأغنية العربية كما تقول الصقلي "بخير ما دامت هناك مهرجانات في الوطن العربي مثل مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة وغيره، تساهم في إحياء التراث وتذكرنا بالطرب الشرقي، الذي صنعه أجدادنا رغم الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الموسيقى الشرقية"· إن الموسيقى العربية، بحسب الصقلي "تطلب النجدة بسبب الوضع الذي توجد عليه حاليا، حيث فقدت هويتها وأصبحنا امام تيار سمته الاساسية التقليد ومواكبة الصرعات الفنية الموجودة في الخارج، التي لا تراعي اي خصوصية للثقافة العربية وتقاليدها المحافظة على مستوى الالتزام بمظاهر الحشمة، واختيار الشعر المعبر الجميل، اذ كل ما نسمعه حاليا لا يعدو ان يكون مجرد كلمات مترجمة عن اغان غربية"· وتوضح الصقلي انه لا يجب ان يفهم من كلامها انها ضد الانفتاح على الثقافات الاخرى، لكن المطلوب هو "انتاج اعمال تتوفر فيها شروط العمل المشترك المبني على الحوار بين الثقافات وليس التقليد المطلق"· وبالرغم من انها لم تصور أية اغنية من اغنياتها الا ان ذلك لا يعني بأنها ضد الفكرة من الاساس، فكل ما تشترطه الصقلي هو ان لا يتم التصوير بشكل استعراضي فقط يفرغ الاغنية من مضمونها، فالفيديو كليب في نظرها، وسيلة عصرية للتواصل مع الجمهور فرضته التطورات الهائلة لفن الصورة والصوت، يمكن ان يخدم الاغنية العربية اذا قدم بالشكل الصحيح من طرف مختصين في الصورة والصوت، واذا ما توافرت تلك الشروط، فهو وسيلة مثلى لتقديم العمل بطريقة لطيفة للجمهور، وهو برأيها "سلاح ذو حدين، إما ان يخدم الفنان او يضره اذا ما اعتمد على الرقص والاستعراض لا غير"· وتتمتع الصقلي بجمال هادئ، فوجهها ذو ملامح طفولية بريئة يعكس شخصية رقيقة، تتحدث بصوت خافت، لا تحب المبالغة في الاهتمام بالمظهر الخارجي، فأزياؤها بسيطة للغاية منسجمة مع عفويتها وتلقائيتها، لها رأي واضح في عمليات التجميل التي حولت الفنانات العربيات الى نسخ متشابهة مثل دميات جامدة من دون حياة، فالظهور بشكل جميل شيء مطلوب، تقول، قبل ان تضيف ان الاهتمام بالنواحي الجمالية "لا عيب فيه اذا كان لا يتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا، لأن على الفنان ان يظهر أمام الجمهور بشكل لائق، خاصة انه يصبح قدوة للعديد من الشباب"· بيد انها لا تفضل ان تراها إحدى بناتها في شكل غير لائق، وترفض تشويه وجهها بعمليات التجميل، وتحب ان يراها الجمهور في شكل واحد وثابت بطبيعتها التي خلقها الله عليها·