ها هو الحلم يتحقق، وهاهم رجال الجزائر يدقون أبواب المونديال الثالث بل ويدخلون جوهانسبورغ من أبوابها الواسعة بعد الفوز التاريخي على المنتخب المصري في المباراة الفاصلة التي أقيمت أمس بالسودان بفضل هدف عنتر زمانه - عنتر يحيى - ليدونوا في مذكرة التاريخ أن أحفاد الأمير عبدالقادر لا يموتون وأن افراح الجزائر في عيد ثورة أول نوفمبر ال55 لايمكن أن تمر دون أن تضيف الجزائر واحدا من اهم الانتصارات في مسيرتها الكروية المظفرة، لتكون الفرحة أكبر، ويكون الشعب قد تذوق ما كان يأمل ومن أجله صبر وكبر، يوم قال عناصر منتخبه الله أكبر. وبشهادة كل العالم الذي تنبأ لأشبال سعدان التألق انتزع هؤلاء الأشبال أغلى تأشيرة في المونديال، فانتزعوها بالعرق والدم وكان المنافس عليها خصم يقال له مصر، التي كان من المفروض ان نقول لها الشقيقة الكبرى لولا اننا ضربنا بين ظهرانيها غدرا، وكأننا متشردون على أبوابها نتسول. لقد شهد العالم لنا بأننا الاقوى، وما كان يجب ان نذهب إلى السودان الطيب، لولا العوائق الكبيرة والحواجز المزيفة التي اعترضت دربنا، بدءا بالحكم الغيني الذي خذلنا يوما أمام منتخب رواندا حين لم يحتسب هدفا قيل ان عميان احراش افريقيا القارة السمراء رأوه متسربا، ولولا ظلم الشقيقة الكبرى مصر التي ارادتنا ان نبقى صغارا، بعد ان تجبرت وتفرعنت وكاد يكون لها ما ارادت، لولا عزيمة ما ولدت الجزائر وربت. لقد تأهلنا وكان هذا التاهل اجمل هدية في عيد الثورة لقوافل الشهداء ولكل الذين صنعوا امجاد الجزائر ولكل الذين صمدوا لتبقى الجزائر واقفة شامخة تبهر من شكك وتبعث الامل في نفوس ابنائها الذين رفعوا التحدي وحطوا الرحال في السودان لكسب معركة الرجال بالنيف والارادة والعزيمة ومن ورائهم الاف الشباب الذين عقدوا العزم الا يعودوا من السودان إلا والتأشيرة في الجيب. وهكذا قالوا للخصم هناك في السودان بلاد الامان نضرب للخصم موعدا، ومن ام درمان نتكلم أننا بالفوز أجدر، فكانت معركة رجل لرجل وفي نهاية المطاف رقص الرجال وبكت الأرانب، وتأهل الذي لم تثنه الشدائد ولم تنل منه المكائد. وهكذا ايضا انتعش الأمل وفي جوهانسبورغ نتواجد، لأن من قالوا الله اكبر يعرفون كيف تكون الخواتم، وقد قالتها وردة الجزائرية لا تهم الانتصارات، لأن مسيرة الكبار تتحدث عنها الخواتم. وها هي الخواتم تتكلم وهاهي الجزائر تتأهل وسعدان ورجالاته يصنعون الأمجاد وبما وعدوا صدقوا فهل هناك اجمل من الإنجاز الذي يدون في سجل لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله والتقليل منه، كيف لا وهو تحقق على النيل من حيث الخصم يشرب، وهل هناك أكثر من هذا حتى لا نهلل لما صنعه "الرجالة" .... وها هي الخواتم تصنع أفراح الجزائر، التي من حقها ألا تنام والتي من حقها ان ترقص وتغني ومن حقها أن تفتخر، لأن مثل هذا الانتصار، جاء ليؤكد بأن الجزائر بخير وأن الجزائر برجالها لا ولن تكون صغيرة ولا يمكن أن تطأطئ رأس أبنائها الذين إذا عولوا اقدموا، لأنهم آمنوا بان النصر من عند الله و ليه توكلوا. إن الحديث اليوم وفي هذه العجالة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تقنيا لأن الجانب التقني في معركة كهذه يترك عادة للفنيين الذين قالوا أن اشبال الجزائر سيكون لهم باع وأن الفراعنة الذين "شاخوا" لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يقارعونا، فهم جيل نال نصيبه وانتهى، ولياقتهم لا تسمح لهم بلعب لقاءين في ظرف وجيز، وقد صدق تنبؤ هؤلاء وجاء الميدان فاصلا والمعركة فاصلة، وتأكد التفوق الجزائري على أكثر من صعيد، وكان الشوط الاول لرفاق زياني وجاء الشوط الثاني للمدرب سعدان الذي استحق ثالث مونديال في حياته ليلتحق بصف المدربين الكبار في العالم، وهل من يملك مدربا في مثل عبقرية الشيخ يخشى عليه من الإخفاق خاصة إذا كان الموعد في مثل هذه الأهمية؟ إن تأهل الجزائر الى ثالث مونديال بعد 1982 و1986، يحتم علينا اليوم ان نضعه تحت المجهر ونقرأه جيدا ونستخلص عبره ودروسه، لنستفيد منه من جهة ونمكن الذين صنعوه من برامج تحضيرية لكسب المزيد من الاحتكاك بأكبر المنتخبات، مثلما علمتنا تجربة 82، حيث كان منتخبنا انذاك جديرا ببلوغ الدور الثاني من مونديال اسبانيا، لولا خديعة ومكيدة الألمان الذين تواطأوا مع ابناء عمومتهم في النمسا من جهة اخرى. هكذا يجب أن نفكر من الآن مادام مناخ الجزائر يضغط على أرحام الامهات فينجبن رجالا من طينة سعدان واشباله الذين أبدعوا وتألقوا وتحدوا وعادوا من أرض السودان الطيبة المضيافة، بأغلى تأشيرة لعبت على امتداد 270 دقيقة وقطعت آلاف الكيلومترات، انطلاقا من سهل المتيجة الى أهرامات الجيزة فإلى السودان الحبيب بلاد النيلين بلاد النوبة والتوبة والارض المحبوبة، السودان الذي استضاف أحفاد الشهداء والمجاهدين وكان فآل خير علينا. اما الجمهور الجزائري الذي هب كرجل واحد الى السودان في سابقة لم تحدث إلا في البلدان التي تعتبر فيها الكرة عبادة وقداسة، فهو يستحق تحيات بقدر ما علت به الطائرات من اميال في سماء القارة، لأن الآلاف منه شكلوا فيالق في موقعة الشرف وكانوا بمثابة الرجل ال12 في واقعة لا يكسبها عادة إلا الرجال الذين لا تنجبهم إلا أرض ثوار مثل الجزائر. ان السلوك الذي تحلى به الجمهور الجزائري الوافد على السودان، لشرف كبير للذين امنوا في انضباطه فوفروا له كل الإمكانيات المادية ليبعثوا به سفيرا لشباب الجزائر إلى بلد السودان الذي احتضنهم بدفء وطيبة ، فألف تحية لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي عاش انتصار الجزائر بجوارحه وكان ابا متفهما لطموحات فلذات هذا البلد، عندما حرص على ان يكون شبابنا في قلب الحدث .. وعاشت انتصارات الجزائر، وألف تحية وتقدير للرئيس عمر البشير وللسودانيين الذين ساندونا وآزرونا وكانوا سندا لنا عندما اختاروا الشهامة والنشامة على المتخاذلين الذين أساؤوا ضيافتنا وأرادوا ذبحنا من الوراء.