التقيته لأوّل مرّة بقصر الثقافة "مفدي زكريا" عام 2006 وهو يشرف على ورشة الرسم ضمن الأيام الثقافية والفنية الصحراوية بمدينة بومرداس، لكن المرّة الثانية كانت على بعد آلاف الكيلومترات من الجزائر، وبالضبط في العاصمة الصينية بكين، حيث يدرس في جامعة الثقافات واللّغات· حميد بوثلجة فنان اتّخذ من الريشة الرفيق الصادق ومن الفن التشكيلي البساط الذي يرحل به إلى عوالم النفس والروح عاكسا بذلك جمال الجزائر وزخمها الثقافي والحضاري· التحق حميد بوثلجة بجامعة بكين للثقافات واللّغات بفضل منحة صينية عرضت عليه بعد أن نظّم معرضا للوحات التشكيلية بسفارة جمهورية الصين الشعبية بالجزائر، وهو المعرض الذي لقي استحسان زوّار السفارة وكذا الدبلوماسيين الذين أعجبوا بهذه الموهبة الجميلة وعملوا على تثمينها، وبعد سبع سنوات من العمل بدارالثقافة ببومرداس "رشيد ميموني"، عقد حميد العزم على مواصلة التكوين ليعزّز بذلك الموهبة التي اكتشفها فيه والده (تقني طيران) فنمّى فيه حبّ الرسم وتذوّق كلّ ما هو جميل· حميد من مواليد 30 أبريل 1978 عصامي التكوين لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الطريق في عالم الفنون التشكيلية إذ في جعبته 38 معرضا بين 1996 و2007، منها32 جماعية، كما شارك فيما يربو عن 10 صالونات للفنون التشكيلية ويعدّ المعرض الذي نظّمه في ذكرى زلزال بومرداس بقاعة الروض بجامعة بكين للثقافات واللّغات من أجمل وأنجح معارضه حيث عرف إقبالا كبيرا سواء من قبل الصينيين أو من قبل طلبة الجامعة المنحدرين من مختلف الجنسيات· في رصيد حميد بوثلجة ما يفوق 150 لوحة أبدعها في 08 سنوات وتلقى بفضلها 52 شهادة شرفية وتشجيعية، غرفة حميد بوثلجة بالحرم الجامعي بوتقة جمعت كلّ ما هو جزائري كيف لا والمسافة بين الجزائروبكين تقدّر بآلاف الكيلومترات، والفرق بين البلدين والعاصمتين شاسع، المكان تزيّنه تحف جزائرية ولوحات للخيول والفانتازيا والعلم الجزائري يتربّع بقلب الغرفة إذ عمد حميد إلى تعليقه على الحائط المقابل للباب ليراه كلّ داخل إلى الغرفة قبل أن يستمتع بالموسيقى الأندلسية، حيث عمل حميد على أخذ أقراص مضغوطة لبهجة رحّال معه على الصين، كما حمل معه كتابا حول الثقافة الجزائرية ولا يتوانى لحظة في تصفّحه مع أصدقائه وزملائه في الدراسة من شتى الجنسيات والأعراق· تأثّر حميد بوثلجة بمحيطه المباشر كما تأثّر بنصر الدين ديني وحسين زياني واتّخذ من الفن الواقعي والتجريبي المعين الذي غوص فيه مع كلّ حركة ريشة، وأخذ على عاتقه تعريف وتجسيد الثقافة الجزائرية في الصين الشعبية، حيث درس اللّغة الصينية لمدّة عام قبل أن يلتحق لمدّة عامين بمدرسة الفنون الجميلة ببكين لدراسة تاريخ الفن، وقد اقترحت عليه إدارة الجامعة تدريس تاريخ الفن التشكيلي الجزائري· "معاناة المرأة"، "مظاليم"، "تاسيلي"، "فانتازيا" ، "الرجل الأزرق"، "القبائلية"، و"الأمير عبد القادر" وغيرها من اللوحات أبدعتها أنامل حميد بوثلجة، وترجم عبر كلّ خطّ من خطوطها ولون من ألوانها الروح الجزائرية بمختلف تجلّياتها وتشعّباتها، فكان الطائر الذي حمل للجنس الأصفر ما تزخر به الجزائر من جمال وتنوّع ثقافي وحضاري وحتّى إنساني، فكانت المرأة حاضرة بالكراكو، والجبّة القبائلية المطعّمة بالحلي الفضية المرصّعة بالمرجان، مثلما أطلّ التارقي من لوحات حميد بوثلجة ليمنح الصينيين دفء الصحراء الجزائرية·