ينتمي سمية، مالك، حمزة، ملاك، توفيق، بشرى، وغيرهم، إلى جمعية "آفاق الجزائر الثقافية" بالأغواط، واختاروا رغم صغر سنهم، ممارسة الفن الرابع للتعبير عن رؤيتهم الواسعة لما يحيط بهم من ثوابت ومتغيرات وهذا وسط ديكور مختلف ألوانه وأشكاله. بضحكات رنانة وأخرى خجولة، بنظرات جميلة ومعبرة، يستقبلك أطفال جمعية "آفاق الجزائر الثقافية"، وكلهم فرح بالزيارة فيقدمون أمام بالزائر مشاهد من أحد أعمالهم المسرحية، وسط جو من الفرجة فتشعر بدورك بالفرحة. يقول عيسى حديد، رئيس "جمعية آفاق الجزائر الثقافية"، أن الانطلاقة في عالم المسرح كانت في الكشافة الإسلامية، بحيث كونوا فرقة مسرحية توسعت لتصبح جمعية سنة 1999، قدمت عدة مسرحيات من بينها: "أطفال الشارع"، "الزهرة الذهبية"،" الأميرة ياقوت"، "الكنز"، "الأم"، بالإضافة إلى أعمال أخرى في طريق التجسيد، مثل "أبيض وأسود " مع المخرج المسرحي هارون الكيلاني ومسرحية"دمية ودنيا". ويعود عيسى إلى بداية عمل الفرقة وبالأخص إلى مشاركتها في العديد من المهرجانات الوطنية، وتحصلت خلالها الفرقة على عدة جوائز بحيث ظفرت في أول مشاركة لها في مهرجان عين الدفلى على المرتبة الثالثة بمسرحية "الزهرة الذهبية"، بالإضافة إلى مشاركات أخرى في وهرانوالجزائر العاصمة وسيدي بلعباس وغيرها من المدن. عيسى الذي يمثل أحيانا مع الأطفال بغرض تشجيعهم من جهة، وحاجة بعض الأدوار لفئة الكبار من جهة أخرى، تحدث عن مشروعه الذي عرف النور مطلع السنة الجارية، والمتمثل في مدرسة للفنون الدرامية بدار الشباب بالأغواط، وتتكون من قاعة تفي بأكثر من غرض، بحيث تتضمن منصة خشبية وسلسلتين من المقاعد، وكذا مكتبة وآلات موسيقية ومكتب، وتم استغلال الفضاء بحيث تم تخصيص ما وراء المنصة لإنشاء مساحات صغيرة للتجميل وآخرى للخياطة وثالثة لصنع الديكور. ولكن كيف يتم جذب الأطفال إلى المسرح وإقناع الأولياء بانخراط أولادهم في الفرقة وكذا مشاركتهم في العروض خارج الأغواط؟ وفي هذا الصدد يقول عيسى أنه تم على مستوى الجمعية وضع خطة لجذب الأطفال، من خلال توجيه دعوات إلى المدارس لمشاهدة العروض المسرحية، ومن ثم السؤال عن الأطفال الذين يودون الالتحاق بالفرقة. مضيفا أن الطفل يجب أن يشاهد العرض المسرحي بأم عينيه حتى ينخرط في الفرقة بقناعة. أما مسألة إقناع الأولياء فتعود إلى قضية واحدة ووحيدة، ألا هي "الثقة". ويتوقف عيسى عند هذه النقطة، ويقول أنه "بالمقابل قد يحدث أن يرفض الأولياء أن يمثل أطفالهم في المسرح ويفضلون مثلا أن يمارسوا الكاراتي أو رياضة أخرى، وهنا يمكن أن نتحدث معهم ونستضيفهم في العروض ولكن تبقى الكلمة الأخيرة لهم". مسرح الطفل له خصوصياته، قواعده ومفاهيمه، فهل هو أكثر جدية من مسرح الكبار، باعتبار أن شريحة الأطفال حساسة أم العكس؟ ويجيب حديد قائلا بأن مسرح الطفل هو الأصعب، بحيث لا يجب تقييده، بل المهم هو تلقين الطفل بعض أساسيات الحركة والإلقاء وتركه حرا على الخشبة. معتبرا أن هذه هي القاعدة التي تسير عليها المدرسة التكوينية التي أسستها الجمعية. وغير بعيد عن هذه النقطة، أكد عيسى أن المسرح يمكن له أن يعالج المشاكل النفسية والاضطرابات كالخجل الزائد والكآبة والخوف. مستطردا أن هناك علما اسمه "بسيكودرامايتك"، أي علم "النفس المسرحي"، الذي يعمل على معالجة الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية على الخشبة، وكمثال عن ذلك، معالجة خوف طفل من موقف معين من خلال تعريضه لنفس الموقف على الخشبة. ويضيف المتحدث أن الفن الرابع وسيلة أخرى لتربية وتوعية النشء، وكمثال عن ذلك، تمثيل طفل كثير الحركة وعصبي لدور هادئ، مما يساهم في تعلمه التحكم في أعصابه، كما أن على الطفل تمثيل مختلف الأدوار، الفكاهية منها والجادة، الحزينة والسعيدة، حتى يصبح ممثلا ناجحا. أما عن النص المسرحي الخاص بالطفل، فيجب أن يكون معتمدا على فكرة قيّمة بلغة بسيطة وواضحة، وعلى علاقة بالواقع أيضا، علاوة على اعتماده على الفرجة التي تدخل السرور إلى قلب الأطفال. عيسى حديد، الذي يؤمن بالطموح والعمل المتواصل ولا يخشى العراقيل سواء كانت مادية أو تنظيمية أو حتى فنية، لا يفكر الآن في الاتصال بالمنظمات والجمعيات المسرحية الدولية، فهو يقول أن البداية يجب أن تكون من البيت، حتى يكون تمثيل البلد في المحافل الدولية مشرفا، أما عن مشاريع الجمعية فتتمثل في تأسيس مهرجان وطني لفنون الطفل (مسرح، موسيقى، عزف وشعر)، وتقدم فيه جوائز في مختلف الفنون، وتتضمن أيضا تنظيم ندوات وورشات تكوينية. مشروع آخر، يسعى عيسى (المتخرج من معهد الحقوق والدارس علم النفس، وكذا المسرحي والموسيقي)، إلى تأسيس بنك معلومات بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، يشمل خط انترنت واسطوانات ومجلدات خاصة بالطفل، يشرف عليها مختصون ومنشطون، لتكون الخطوة التالية تشجع الأطفال على الاختراعات الصغيرة. مدينة الأغواط التي تعرف حركة مسرحية كبيرة وتكوينا مسرحيا مهما، رغم انعدام قاعة خاصة بالمسرح، يزينها أيضا هؤلاء الأطفال الذين يعشقون المسرح ويودون مواصلة المسيرة في الكبر سواء في التمثيل أو الإخراج، هم نجوم تضيء سماء بوابة الصحراء، وزهرات تنعش فضاءها وفرحة تنسي الهموم وتدعو إلى غد في غاية الإشراق.