لم تدخل أي مدرسة ومع هذا تعلمت القراءة والكتابة بمفردها... متحدية إعاقتها الحركية التي سببت لها صعوبة في تحريك الأيدي وأقعدتها الكرسي المتحرك، ولم تتوان في تعلم حرفة تثبت بها ذاتها وتشغل بها وقتها وتسترزق منها ... ورغم أنها تمضي في بعض الأحيان عدة أشهر داخل المنزل ولا تخرج منه مطلقا، فإن الابتسامة لا تفارق محياها، تتمتع بإرادة كبيرة وعزم على تحدي نظرة الناس الضيقة للمعاق، وتعتبر المعاق هو ذلك الذي لا يحسن التمتع بما أنعم الله عليه من وافر الصحة... الآنسة فوزية حشايشي التقتها "المساء" بمعرض أقيم مؤخرا بالأبيار فأجرت معها هذا الحوار. - بداية نريد أن نتعرف على الآنسة فوزية حشايشي؟ فوزية حشايشي ببساطة هي فتاة ولدت بإعاقة تتمثل في غياب كلي للأرجل وصعوبة في تحريك اليدين، أبلغ من العمر 30 سنة أنتمي إلى عائلة مكونة من ثمانية أفراد، لم أدخل أي مدرسة لعدم وجود من يتولى نقلي يوميا إلى المدرسة، ومع هذا فأنا لست أمية بل كنت عصامية حيث تعلمت القراءة والكتابة بمفردي، أمارس الخياطة منذ كان عمري ثماني سنوات، واليوم أنا أشارك في العديد من المعارض المتعلقة بالأنشطة اليدوية، وتحوز أعمالي على إعجاب الزبائن والزوار. - لم تدخلي أي مدرسة ومع هذا تعرفين القراءة والكتابة، كيف ذلك؟ قد يبدو الأمر غريبا ولكنه ليس بمستحيل، فتعلم القراءة والكتابة ليس بالأمر الصعب، حيث كنت منذ صغري وبسبب الفراغ الكبير الذي أعاني منه من المتتبعات لكل ما يعرض على جهاز التلفاز من برامج تربوية، ومن خلاله تعلمت بعض الحروف وطرق كتابتها وشيئا فشيئا أتقنت القراءة وتمكنت من كتابة بعض الأشياء رغم صعوبة الأمر علي، فلا يخفى عليكم أني أعاني من صعوبة في تحريك أصابعي بحكم الإعاقة، لكن بوجود الإرادة والرغبة في التعلم وصلت إلى تحقيق هدفي دون مساعدة أي شخص. - تقولين إنك تشاركين في العديد من المعارض فما هي الأنشطة اليدوية التي تمارسينها؟ في البداية تعلمت الخياطة وعمري ثماني سنوات حتى أشغل وقتي، بعدها انضممت إلى فيدرالية المعوقين حركيا الواقعة بابن عكنون، حيث كانوا يعلمون الفتيات بعض الأنشطة، فاغتنمت الفرصة وحاولت تعلم أكبر كم من الأشغال اليدوية، لأن مدة التعلم كانت قصيرة، فتعلمت التزيين بالورود، وفن "الكروشي"، كما أني اليوم أملك شهادة في الخياطة، فقد خضعت لتربص وأجريت المسابقة وحزت على المرتبة الثانية، وأذكر وقتها أني امتحنت مع أشخاص أصحاء كانوا يعلقون علي قائلين "مسكينة"، هذه الكلمة التي زادت من حماسي وجعلتني أفتك المرتبة الثانية. - ما الذي تمثله لك هذه الأنشطة اليدوية، هل هي وسيلة للاسترزاق أم لإثبات الذات أم ماذا؟ قبل أي شيء أريد أن أقول إني تعلمت مختلف الأنشطة اليدوية لأنها بالنسبة لي وسيلة لرد الاعتبار في مجتمع ينظر إلى المعاق نظرة "حرة" وينعته ب"المسكين"، لذا حاولت أن أنتج وأبدع في أعمالي اليدوية حتى أكون فردا مفيدا غير اتكالي، والحمد لله عندما أعرض ما أنجزه من أعمال في بعض المعارض التي تقام في بعض المناسبات كاليوم الوطني للمعاق، ألقى الترحيب من الزوار، لدرجة أن بعضهم لا يصدقون أني أنا من أعد هذه الأعمال، ولا أخفي عليكم أن هذه الأنشطة تساعدني على ملء أوقات فراغي خاصة وأني أمضي كل وقتي في البيت، وحتى لا يصيبني الملل والاكتئاب فأنا أبقى بالمنزل لعدة شهور، لأنه لا يوجد من يتولى مهمة نقلي، ولعل ما زاد الطين بلة هو أني لا أملك اليوم كرسيا متحركا بعد أن اهترأ الكرسي الذي رافقني مدة 10 سنوات، واليوم أعاني الأمرين لعدم قدرتي على التنقل حتى بالبيت لقضاء بعض حوائجي. - بماذا تحلم الآنسة فوزية كعارضة ومنتجة لمختلف الأشغال اليدوية؟ بالنسبة لي الأشغال اليدوية تعد بمثابة هواية تساعدني على الهروب من التفكير في واقعي، حيث أشعر بالامتنان والسرور عندما أنجز عملا معينا ويحظى بإعجاب الناس حتى ولو لم أتقاض أجرا عليه، كما أنه يعطيني فرصة للاحتكاك بالناس، وبالتالي لا أشعر أني مهمشة أو منسية. وعن الأحلام شخصيا لا أحلم، بل أخاف الأحلام لأنها من الأمور التي يصعب تحقيقها في الواقع، حتى وإن كانت ممكنة، أنا من اللواتي يعشن يومهن بحلوه ومره فقط. - ما الذي تتمنينه بمناسبة اليوم الوطني للمعاق؟ أمنيتي هي تغيير نظرة المجتمع للمعاق الذي تكفيه الكلمة الدافئة والحنونة ليعيش بها، وأن أحظى بكرسي متحرك يحد من معاناتي فقط، لأن الكرسي بالنسبة للمعاقين حركيا هو الجسد الذي يتحركون به ويمكّنهم من الشعور بأنهم جزء من هذا المجتمع.