انطلقت أمس بالعاصمة الأمريكية أشغال أول منتدى عالمي حول الأسلحة النووية بمبادرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما حضره خمسون رئيس دولة وحكومة وممثلون عن مختلف المنظمات الدولية والإقليمية. ويناقش رؤوساء الدول المشاركة وممثلوا منظمات إقليمية ودولية مهتمة بهذه الأسلحة طيلة يومين إشكالية منع وقوع أسلحة نووية بين أيدي جماعات إرهابية معادية. والحقيقة أن الولاياتالمتحدة التي تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم التي لم تعد تجد منافسة حقيقية لها كما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة تريد الآن فرض منطقها الرافض لامتلاك هذا السلاح الاستراتيجي على دول طامحة. ووجدت الإدارة الأمريكية فيما تسميه ''تهديدات الإرهاب النووي'' ذريعة لدعوة خمسين دولة لحضور هذا المؤتمر بهدف وضع ''خطوط حمراء'' أمام دول طامحة لدخول النادي النووي وحصرها في مجموعة لا يجب أن تتوسع لأكثر من أعضائه الحاليين. والمفارقة أن تنظيم هذا المؤتمر جاء أسبوعا فقط بعد توقيع الولاياتالمتحدة وروسيا اكبر قوتين نوويتين في العالم على اتفاقية ''نيو ستارت'' التي تضمنت تخفيضا مزدوجا للرؤوس النووية في ترسانتيهما. كما أن الطرح الجديد الذي بادرت به الولاياتالمتحدة جاء تماشيا مع الاستراتيجية الأمريكية للبقاء كقطب واحد في العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وكان السلاح النووي احد أهم وسائل تحقيق هذه الغاية. وأدركت الإدارات الأمريكية في أوج الحرب الباردة أن الاتحاد السوفياتي السابق لن يتمكن من مسايرة وتيرة سباق نووي تتطلب ميزانيات ضخمة كانت آخر مراحلها نقل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان السباق إلى الفضاء فيما اصطلح عليه بحرب النجوم. وهي القفزة التي جعلت ميخائيل غورباتشوف آخر الرؤوساء السوفيات يقتنع بضرورة رمي المنشفة بعد نصف قرن من سباق محموم لتحقيق التفوق لتفادي انهيار موجع رافعا في وجه المواطنين السوفيات حتمية انتهاج سياسة ''الغلاسنوت'' و''البريسترويكا'' لإعلان ضرورة إعادة النظر في السياسة التي انتهجها بلدهم طيلة ستة عقود وكانت نهايتها الحتمية انهيار معسكر اديولوجي لم يعمر لأكثر من نصف قرن. وعندما اقتنعت الولاياتالمتحدة أنها الأقوى عمدت إلى عقد مثل هذا المؤتمر لقتل طموح كل دولة راغبة في الحصول على التكنولوجيا النووية في قناعة دافع عليها الرئيس الأمريكي عندما كشف عن العقيدة النووية الجديدة لبلاده التي تعارض استعمالها لهذا السلاح ضد أية دولة موقعة على معاهدة منع الانتشار النووي ولكنه استثنى من ذلك إيران وكوريا الشمالية. ولكن الرئيس الأمريكي باستثنائه لهاتين الدولتين يكون قد تبنى نفس السياسة العرجاء المنتهجة من قبل من سبقوه إلى البيت الأبيض عندما تجاهل الحديث عن إسرائيل وترسانتها النووية التي تؤكد كل الخبرات الدولية أنها تفوق 200 قنبلة نووية قادرة على تدمير كل منطقة الشرق الأوسط عشرات المرات ولكنها تحظى بحماية أمريكا وكل الدول الغربية الأخرى. وفي نظر الكثير من المتتبعين فإن مؤتمر واشنطن الذي يعد اكبر لقاء من نوعه تعقده الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية ما هو في الواقع سوى تغطية على نوايا أمريكية لصد الباب أمام الطموحات الإيرانية لاكتساب التكنولوجيا النووية وهو ما جعل الملف النووي الإيراني يطغى على جلسات المؤتمر سواء تلك التي عقدها الرئيس الأمريكي مع ضيوفه أو خلال المناقشات العامة او خلال مأدبة العشاء التي أقامها على شرفهم. وهو ما جعل مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي اصغر سلطانية يؤكد أن ملف بلاده ليس موضوع نقاش مؤتمر واشنطن ولا هي معنية بنتائجه. والمفارقة أن إيران التي تبقى موقفها من التكنولوجيا النووية إشكالية في العالم ارتأت الولاياتالمتحدة عدم استدعاء رئيسها محمود احمدي نجاد لحضور أشغاله ولم تجد حرجا في دعوة إسرائيل لحضوره رغم أن الكيان الإسرائيلي المحتل يرفض الاعتراف انه قوة نووية.