عرفت العلاقات الإيرانية الروسية هذه الأيام منعرجا حاسما باتجاه برودة إن لم نقل قطيعة نهائية بين طهران وموسكو على خلفية الموقف المفاجئ الذي أبدته هذه الأخيرة بخصوص فرض عقوبات دولية جديدة على إيران، بسبب إصرارها على رفض وقف برنامجها النووي.وفي انتقادات متبادلة وعلنية هذه المرة بين الرئيس احمدي نجاد والرئيس ديمتري مدفيديف تكون العلاقات الثنائية بين البلدين قد دخلت مرحلة عصيبة بعد عقود من التعاون والمواقف المتجانسة خدمة لمصالح متبادلة. ولم تهضم السلطات الروسية أمس الانتقادات اللاذعة التي وجهها الرئيس الإيراني باتجاه نظيره الروسي وأكدت على لسان الناطق باسم الكريملين أن أي رئيس في العالم لن يتمكن من المحافظة على سلطته بانتهاج الديماغوجية السياسية، في إشارة واضحة إلى الخطاب الذي يصدره الرئيس نجاد دفاعا عن موقف بلاده بشأن برنامجها النووي. وجاءت الانتقادات الروسية ردا على تصريحات الرئيس نجاد الذي لم يستسغ موقف الرئيس الروسي الذي فضل الانقلاب على الموقف الرسمي لبلاده و''فضل الجلوس إلى جانب أعدائنا طيلة ثلاثة عقود''. ولم يتمكن الرئيس الإيراني من كتم غيضه لمدة أطول وهو يرى حليفه السباق ينقلب عليه بعد أن أيّد مدفيديف المسعى الأمريكي بفرض عقوبات على إيران، بل وكان من اكبر الداعين إلى فرضها في انقلاب غير مفهوم لروسيا على دولة كانت إلى وقت قريب اكبر حليف لها وبوابتها إلى المياه الدافئة في منطقة الشرق الأوسط. وتكون السلطات الإيرانية والرئيس نجاد تحديدا قد شعر بنوع من الخذلان من حليف الأمس الذي يكون قد فضل تغيير سياسته بقناعات براغماتية راعى من خلالها مصالح بلاده مع الولاياتالمتحدة مضحيا في ذلك بمصالح اقتصادية ضخمة مع إيران التي تبقى اكبر مستورد للأسلحة الروسية وسبق وأن فازت بصفقات ضخمة لإقامة مفاعلات نووية في إيران كان آخرها مفاعل بوشهر الذي ضغطت الولاياتالمتحدة من اجل إجهاضه قبل ولادته. وجاء تشديد اللهجة بين إيران وروسيا في نفس الوقت الذي سلمت فيه طهران نص الاتفاق الثلاثي الذي وقعه الرئيس محمود احمدي نجاد والبرازيلي لولا دا سيلفا والوزير الوزير الأول التركي طيب رجب اردوغان إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مسعى لاحتواء الأزمة وتفويت الفرصة على واشنطن لفرض عقوبات إضافية عليها. والمؤكد أن البرودة التي استقبلت بها السلطات الروسية مضمون هذا الاتفاق هي التي جعلت الرئيس الإيراني يخرج عن صمته ويوجه اول انتقادات بهذه الحدة باتجاه الرئيس مديفديف وهو الذي كان يأمل في ان يكون الاتفاق نافذة للرئيس الروسي من اجل تغيير موقفه والاحتفاظ بموقفه المبدئي الداعي إلى الإبقاء على الخيارات الدبلوماسية التفاوضية إلى غاية استنفادها. ويبدو أن صدمة السلطات الإيرانية كانت اكبر عندما تيقنت أن الصين حليفتها الاخرى غيرت هي كذلك موقفها باتجاه دعم مشروع اللائحة الأممية الجديدة التي صاغتها الولاياتالمتحدة لفرض السلسلة الرابعة من العقوبات الاقتصادية. ويفسر هذا التخلي المفاجئ لموسكو وبكين عن طهران سر قبولها بالتعامل مع قوى صاعدة إقليمية مثل البرازيل وتركيا ضمن تكتل استطاع ولو إلى حين رمي الكرة في المعسكر الأمريكي على اعتبار أن نص الاتفاق الثلاثي يعد حلا آخر مادام قد فتح الباب مجددا أمام إمكانية مواصلة العمل بالبدائل الدبلوماسية لإنهاء معضلة الملف النووي الإيراني. ولكن السؤال المطروح هل سيصمد مثل هذا الاتفاق أمام الثقل الدبلوماسي لمجموعة الستة الراغبة في محاصرة إيران دوليا بمعاقبتها اقتصاديا إلى غاية إذعانها للأمر الواقع الأمريكي. أمر يبقى الجزم بشأنه صعبا إذا أخذنا بالموقف الإيراني الرافض لكل تراجع وهو ما يبقي الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات وقضية الملف النووي الإيراني للمتابعة.