هي كثيرة المعالم التاريخية والأثرية التي تعد عند الدول موارد غير منتهية ومتجددة وتساهم في انعاش الاقتصاد الوطني، فكم من قطر ليس له موارد طبيعية ولكنه يستند الى تاريخه ومعالمه الأثرية التي يستثمرها فتأتيها الدنيا ساعية، هي ذي الآثار والتاريخ الذي تحول الى عجائب ومن ثم الى عماد اقتصادي وطني، فهل أدركنا نحن في الجزائر هذا البعد التاريخي الثقافي وهذا السند الاقتصادي؟ وهرانالمدينة التي استطاعت أن تقيم القران بين الماضي والحاضر وأن تتطلع الى المستقبل، وهران اسم من الأسماء التي تحمل أكثر من معنى، هذه الجوهرة البحرية النادرة على الضفة الجنوبيةالغربية من المتوسط صنعت الأحداث التاريخية وهاهي تتطلع إلى المستقبل والحداثة وتدخلها بثبات وحرفية إلا أنها وهران رغم بعدها التاريخي بدأ الصدأ والتآكل ينهش بعض معالمها. وهران برائحتها التاريخية العتيقة بأحيائها القديمة المتجددة في صراع ما بين ملامح الماضي ومغريات المستقبل، البحر الذي تعمره السفن والشواطئ التي تغري العالم باعتبارها موانئ اقتصادية ما تزال تصنع الحدث الاقتصادي وتدفعه الى المدن العالمية الأخرى، هي ذي وهران الطيعة المستعصية لكن هناك قصص ترويها الأزقة والأحياء العتيقة، فمنطقة ''سبالة الطلبة'' جنوب الحي العتيق بل هي بوابته والتي تحولت الى مدينة جديدة، السبالة لم يبق منها إلا الاسم فليس هناك حنفية ولا نافورة ماء نضاخة، ولا هي ذلك المركز الذي كان محور الحي في الماضي فهي التي تنشط دورة حياتهم وتسقيهم من مائها. العين العتيقة أو التاريخية يمكن أن نسميها كما شئنا، الى جانب العين فهناك المدرسة ولهذا سميت بهذا الاسم ''سبالة الطلبة'' أي كان يسقى منها الناس الحياتين معا الحياة المعرفية والحياة ''الماء'' الذي منه كل شيء حي. ذهب الماء وغارت المعرفة وأصبح المكان مقفرا يسكنه الموت ببرودته ووحشته، ولم يعد لهذا المكان تجليه وتألقه كما كان في الماضي، بل زحف عليه الاسمنت فتحولت الأماكن التاريخية إلى أشياء أخرى تتجافى والجمال والنكهة التاريخية، فالمصلى تحول الى حمام، والمقهى العتيق ''المصمودي'' تحول الى فندق. فاكتسحت التجارة كل شيء وأصبح الربح السريع كجارفة تقتلع كل ماهو أصيل وتاريخ وتستبدله بأي شيء آخر. كل سكان الحي يتأسفون لما آل إليه حي سبالة الطلبة وينعون لأنفسهم ذلك الزمن الراحل في صمت، الكل يعترف بحسنات هذا الماضي فيقولون: ''في الماضي كانت هناك عائلة كبيرة، وكان الرباط الاجتماعي يضم الجميع''. أصبح الناس اليوم ينظرون الى التوسع العمراني ومدينة الاسمنت والفلاذ بأنه المأساة الحقيقية. مقهى المصمودي الذي تغنى به المطرب بلاوي الهواري قد زال. لم يعد لرمضان خاصيته -يقول سكان هذا الحي- ونكهته وسهراته، ولا ليالي الصيف الجميلة المنعشة. حتى الثورة التي كان لها بصمتها في هذا الحي بدأت تنمحي هذه البصمات شيئا فشيئا، حيث كان معقلا للثورة، ثورة نوفمبر، حيث كان حصنا للأبطال أمثال زهانة، والاخوة عرومية، وتولة، ومودوب ونميش وبن صافي، كما كانت سبالة الطلبة قبلة للفنانين والمطربين ورجال الدين، ومنتدى للفنانين أمثال أحمد صابر، أحمد وهبي، الشيخ الخالدي ومحمد ولد غفور وغيرهم. هي ذي وهران العتيقة التاريخ تفتقد شيئا من ملامحها من دمها، بل من روحها. لم تبق وهران كما كانت بأحيائها العتيقة إنما أصبحت تتهافت على مساحيق الاسمنت والحديد وتلقي بماضيها الى الماضي الذي هو الآخر بدأ يتوارى، يحتجب يموت في صمت ومدينة بلا ماضي مدينة تموت لأنها فقدت ملامحها فقدت ما يميزها، فهل نلتفت لهذه الملامح التاريخية ولهذه الآثار ونعيد لها نصاعتها توهجها ونترك للماضي شيئا من الرائحة وشيء من القيمة لأنه القامة التي نطول بها أو نفقد أرجلنا ونسقط.