تأتي الذكرى التاسعة لاعتداءات 11 سبتمبر على المركز التجاري العالمي بالولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها استمرار الصراع الثقافي الذي يقوده بعض المحسوبين على الديانتين الإسلامية والمسيحية في محاولة لتشويه صورة كل منهما في نظر الآخر، ففي أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين تنمو الكراهية لكل ماهو غربي نظرا للحرب الجارية ولاستهداف المدنيين باعتبارها الحرب صليبية، وهناك في الجانب الغربي بدأت تشن الحملات في أوروبا على كل ماهو إسلامي بداية من الرسومات ثم الحجاب والنقاب ومنارات المساجد إلى إعلان حرب أخرى في الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي حرب المصاحف والتهديد بحرق المصحف، ويبقى السؤال المحير هل ما يجرى يخدم الديانتين أم أنهما مجرد صراع خفي من أجل الهيمنة والنفوذ تحت لبوس الدين ورموزه؟ رغم النداءات المتكررة والتي تبنتها الأممالمتحدة لحوار الحضارات والأديان ورغم الملتقيات التي تنظم هنا وهناك من أجل التقارب والتسامح بين الديانات السماوية إلا أن ثقافة الكراهية والحقد هي الأكثر ظهورا وبروزا على الوسائل الاعلامية والاحداث التي تجري تباعا هنا وهناك. الإسلام دين سلام وحوار وعدالة واعتراف بكل الديانات السماوية وبكل الرسل والأنبياء فهو دين شامل للأديان وكذا الدين المسيحي الذي هو دين سماوي ورسالته تهدف الى السلام والأمن والمحبة حتى قال المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قولته المشهورة ''ان صفعك أحدهم على خدك الأيسر فأدر له الخد الأيمن'' وهذا ليس من العجز والضعف والجبن وإنما من التسامح وغفران أخطاء الغير والوصول لفتح قلوب الناس بالمحبة، وكذلك الاسلام احترم الديانات الأخرى وشرع لها حقوقها ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ووضعها في مكانها الصحيح حتى الحيوانات والنباتات أعطاها حقها ومكانتها، وبهذا تكونت الروابط بين الشعوب وازدهرت الحضارات فساهمت كل الثقافات في بناء الحضارة الانسانية التي ينعم بها البشر اليوم وقربت ما بينهم في كل شيء حتى أصبح الناس شركاء كما جاء في حديث الرسول: ''في الماء والكلأ والمحتطب'' بل أصبح الناس شركاء في المأكل والملبس والمركب تجمعهم حضارة واحدة وحتى وإن تم نعتها بالحضارة الغربية فإن الغرب لم يصنعها بمفرده، بل شاركت الشعوب الأخرى في بنائها بأفكارها وسواعد أبنائها حتى وصلت ما وصلت إليه، فلا يخلو بلد غربي من علماء وأطباء ومهندسين ورجال أعمال وأموال عربية واسلامية وكذا لا يخلو بلد عربي أو إسلامي من شركات ومنجزات ومنتوجات غربية وكل هذا كان نتاج ثقافي عالمي ولم يكن هذا التبادل وهذا التقارب بين الشعوب صراعا بل كان تكاملا إلا أن السياسات وأصحاب المصالح والشركات الكبرى العالمية المهيمنة هي التي تحرك العالم سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية للجهة التي ترى فيها مصالحها أكثر وأرباحها أوفر، وأصبحت الحرب جانبا من الحراك الاقتصادي العالمي وثقافة من الثقافات التي تصنع الأفكار والكتب كما تصنع الحرب والتخريب والإرهاب. أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي حرب مصالح قبل أن تكون حرب عقائد وديانات لكن أصحاب هذه المصالح وهذه الشركات المهيمنة أدارت الحرب من ناحية أخرى، فمهدت لها وأججتها بإشعال العواطف الدينية وزرع الفتن والقلائل والمساس بالشعائر الدينية فتعلن الحرب الصليبية المقدسة ضد الاسلام وتحتل بلاد اسلامية وتطاح بأنظمة باسم الديمقراطية وتسقط مئات آلاف الضحايا من الجانبين وتحصد الحرب ما تحصده وتندلع نيران الحقد وتنفجر مثل البراكين والقنابل ورغم هذا لم تكن الشعوب راضية ولم تكن الأصوات الخيرة والطيبة غائبة فالمظاهرات تسير في أكبر العواصم العالمية وتسير فيها كل الديانات وكل اللغات وكل الثقافات منددة بالحرب وبالحصار وبقتل الأبرياء وبزرع ثقافة الحقد والعنف وقد طفت هذه الصورة في أسئلة لم يجب عنها من طرحها لحد الآن ''لماذا يكرهنا العرب؟'' أو لماذا يكرهنا المسلمون؟ ونفس السؤال يطرح على الجانب الآخر أو الجوانب الأخرى لماذا يكرهنا الغرب المسيحي؟ البداية بدأت مع 11 سبتمبر لتتوسع وتنفجر في أفغانستان والعراق بحثا عن العدو والمتطرف المختفي في جلبات الدين أو بما يسمى بتنظيم القاعدة الذي هو في أصله وفصله صناعة أمريكية عربية ضد المد الشيوعي في أفغانستان، وأمريكا هي أول من ألبسته هذه الرقعة وصنعت منه مظلة لهيمنتها ونفوذها على منطقة الشرق الأوسط، ثم أعادت الكرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية لتصنع منه العدو الافتراضي وتبدأ الحرب بين ما يسمى بالتطرف والإرهاب وبين ما يسمى بالديمقراطية وكل منهما يحمل في طياته ثقافة بدل أن تستمد معانيها من تعاليم الديانتين المسيحية والاسلام حتى تعيش الشعوب في أمن وسلام راحت تبحث عن مواطن الفتنة واشعال فتيل الحقد والكراهية فاندلعت الحرب. الرسومات المسيئة الى الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي جعلت من أحد الناكرات الاعلامية علما معرفا وأصبحت الشعائر الدينية ورموزها عرضة للسب والشتم والمساس بأبرز المقدسات الاسلامية في شخص محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم ظهرت في سجون أبو غريب وقوانتنامو بتدنيس المصاحف وباهانة الاسلام ورموزه ومن ثم انتقلت إلى الحجاب والنقاب ومنارات المساجد وهاهي تشد وتطفو على السطح في الذكرى التاسعة ل11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة ليعلن أمريكي نكرة لا يتجاوز رعايا كنيسته ال50 فردا بحرق المصحف الشريف، وليصبح هذا القس الذي صنع منه الاعلام الغربي وللأسف العربي والاسلامي زعيما وشخصا مشهورا مما جعل من هذا المتلبس بلباس الرهبان وهو في حقيقته ثعبان يطيل من عمر هذه الفكرة ويصرح لوسائل الإعلام بأنه يحرق أو ينفذ وعده بحرق المصحف ثم يعلن تراجعه عن الفكرة وأصبح هذا النكرة يخوض حربا ضد القرآن اهتزت لها جدران البيت الأبيض الأمريكي ويعلن أن هذا التصرف خطر على الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق وعلى المصالح الأمريكية في العالم العربي والاسلامي. القس الأمريكي جونز صنع له اسما وصيتا بمجرد القاء فكرة شر وهي حرق المصحف الشريف لتندلع الحرب ضد مركز ثقافي إسلامي يسمى بمركز قرطبة قرب غراوند زيرو موقع برجي مركز التجارة العالمي، وكأنما هذا القس النكرة يدين الاسلام والمسلمين بأحداث 11 سبتمبر وكأنما القرآن هو المجرم رغم أنه أكد عدم اطلاعه على القرآن الكريم. إن حرق القرآن أوتدنيسه لم يكن بالشيء الكبير أمام تدمير المدن واحتلال البلدان واسقاط الأنظمة وإبادة مئات الآلاف من البشر وأخذهم كالمواشي الى غوانتنامو بكوبا وبالسجون السرية في أوروبا وحتى ببعض البلدان الشقيقة وبالتعذيب المهين والمشين للانسان الذي قدسته الديانات السماوية الانجيل والقرآن على أساس أن من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا. حرب المصاحف هي حرب ثقافية عالمية كبرى لكن ليس لمصلحة الثقافة، بل هي صراع يلبس عباءة الدين ومسوح الرهبان لكنه في مضمونه شركات عالمية كبرى وأطراف مهيمنة ومسيطرة لا تستمد حياتها إلا من قتل وتدمير الآخرين.