تتوالى الهزات الثقافية وبعنف حيث لا مرد لما قدره وقضاه الله، ففي وقت قصير فقدت الساحة الثقافية والفكرية أقلاما لامعة وعقولا ساطعة أمثال عبد الله شريط، محمد أركون وهاهي تفقد من الناحية الفنية أحد عمالقتها وهو الفنان القدير ''العربي زكال'' رحمه الله. من السهل أن تفقد مفكرا كأركون وعبد الله شريط وفنانا كالعربي زكال لكنه من الصعب العثور على مفكر أو فنان بنفس السهولة التي افتقدناهم بها. بالأمس القريب نعت لنا وسائل الاعلام خبر وفاة المفكر الكبير محمد أركون رحمه الله، وهاهي اليوم تنعي لنا وفاة الفنان العربي زكال الذي لم يكن مجرد ممثل أو نجم من نجوم المسرح والسينما والإذاعة الجزائرية بل كان يمثل تحولات تاريخية ملأت الفراغ الرهيب والفقر المدقع الذي كانت تعاني منه الجزائر في مجالها الثقافي خصوصا السينمائي والمسرحي الذي بدأ مع بداية الاستقلال. إن فقدان وجوه عايشت المرحلتين، وإن صح التعبير، التي يمكن أن نصفها بالمخضرمة ما بين الاستقلال وما قبله يعد خسارة فادحة للجزائر وللثقافة على وجه الخصوص. إن ملء فراغ العربي زكال أو المشاهد التي كان من الممكن أن يلعبها عن الثورة باعتباره عايش المرحلة التاريخية ومعاناتها وأنه بمقدوره تجسيدها، بل وايجاد فنان وإعداده بهذا الحجم والقامة والثقل لمن الصعوبة بمكان. الثقافة وبالخصوص منها الثقافة الفنية الدرامية سواء المسرحية أو السينمائية والتي مازالت تشتغل على الوجوه التاريخية إلا القليل منها تعد فقيرة لملء الفراغات المتروكة وتلبية أذواق وحاجات أكثر من 30 مليون جزائري حيث نلاحظ تدني العروض التلفزيونية وهذا ما شهدناه في رمضان، أضف الى ذلك السينما التي تكاد لا تخرج علينا بعمل جيد إلا بعد عقد كامل وتبقى المشاكل الفنية سينمائية منها أو مسرحية مطروحة، والبحث عن أسباب هذا التدهور وعن النجاعة الممكنة لتدارك الموقف وملء الفراغ الذي بدأ يتسع يوما بعد يوم سواء من ناحية الأعمال كنصوص أو الوجوه التي يمكن أن تملأ الساحة رغم وجود الهياكل وانفاق الملايير على هذا الحقل الحيوي. تبقى أساليب استثمار الامكانيات المتوفرة والحراك الثقافي هو المطلب للخروج من هذه الضائقة الثقافية الانتاجية والابتعاد عن المناسباتية التهريجية الاستعراضية والدخول في مرحلة الانتاج النوعي والكيفي الذي يمكن أن يسوق محليا وعالميا مثلما كانت السينما الجزائرية في مراحلها الأولى، حيث حصدت الكثير من الجوائز الدولية وكذا المسرحيات المتميزة إلا أن هذا التراجع في هذا الحقل يبدو واضحا والتقهقر يبدو جليا رغم وجود الأحداث، ووجود الكتاب ووجود المواهب الشابة التي يمكن الاعتماد عليها بالإضافة إلى المرافق والمعاهد العليا التي يتخرج منها المئات من الشباب لكن إلى أين؟ هل إلى البطالة والانتظار أم إلى اقتحام مجال العمل وتوفير الأعمال لتنطلق قاطرة الثقافة قوية فمسرحية تعرض في بلاد شقيقة لأكثر من 05 سنوات وهي تتصدر الأعمال وتستثمر من أرباب الأموال، ومسرحية عندنا تنتهي في عرضها الشرفي الأول بين الممثلين والضيوف ومن تتم دعوتهم لحضور هذا العرض ثم تنتهي وكأنها لم تقدم ولم ينفق على انتاجها المال وتهدر الجهود. يبقى السؤال مطروحا، الساحة الثقافية الجزائرية تفقد الكثير من الوجوه الفكرية والثقافية البارزة والمتمكنة وتترك فراغا مهولا فهل فكرنا للمستقبل حتى لا يقع الخلل والانقطاع والفجوات التي يصعب ردمها وتداركها بسبب ما تفقده الساحة؟ إنه من السهولة بمكان أن نفقد فنانا أو مفكرا لكن من الصعوبة أن نجد فنانا أو مفكرا لملء هذا الفراغ.