دعا المشاركون في أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز البحوث القانونية والقضائية حول ''إصلاح المحكمة الجنائية'' إلى ضرورة اعتماد درجتي التقاضي في المحاكمة الجنائية العادلة، أي وجوب الاستئناف الذي يضمن حقوق المتقاضين مثلما ينص عليه الدستور في مادته 154 وكما تستوجبه العهود والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفي مقدمتها المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. اليوم الدراسي الذي شارك فيه قضاة جزائريون وشخصيات بارزة في الحقل القضائي والجامعي، بالإضافة إلى قضاة من البلدين الشقيقين تونس والمملكة المغربية، أثار ضرورة العمل بالاستئناف في محكمة الجنايات كضمان آخر للمحاكمة العادلة ومنح فرصة أخرى للمتقاضين للاستئناف في الحكم الابتدائي والنهائي الذي يصدر حاليا عن محكمة الجنايات بالمجالس القضائية قبل الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا في بعض النقاط القانونية من طرف المتقاضين لاسيما شكليات الحكم وليس الوقائع. وأثارت مداخلات المشاركين مزايا الاستئناف في المادة الجنائية، والإبقاء على نظام المحلفين الشعبيين من عدمه، وكذا الاقتناع الشخصي وتسبيب الأحكام في المادة الجنائية، إشكالية النموذج الذي يمكن للجزائر اعتماده في إصلاح المحكمة الجنائية، حيث تباينت الآراء بعد الاتفاق على وجوب اعتماد الاستئناف في المحاكمة الجنائية العادلة، حول البقاء على نظام المحلفين أو إلغائة نهائيا، أو تطويره من خلال رفع مستوى المحلفين الشعبيين، ووضع شروط في اختيارهم مع الحرص على ضمان الطبيعة الشعبية لهم. وفي هذا الصدد، دعا المستشار السابق برئاسة الجمهورية الدكتور أحسن بوسقيعة إلى التخلي عن نظام المحلفين باعتباره لم يكن تقليدا أو اتجاها عاما في الثقافة والموروث الجزائري وإنما كان إرثا من الاستعمار، حاولت الجزائر منذ قانون الإجراءات الجزائية ل1966 أن تتخلى عنه، وهو الاتجاه العام الذي ميز التشريع القضائي منذ ذلك الوقت إلى اليوم، حيث في كل إصلاح يتم التقليل من عدد هؤلاء المحلفين، إلى أن استقر اليوم في اثنين. أما الاتجاه الداعي للإبقاء على نظام المحلفين، فتمثل في رأي الأستاذ منتالشتة محمد، الذي يرى فيه دعما لشعبية العدالة ومصداقيتها، ولا يرى فيه معرقلا لاسيما عند انتقاد البعض لدور هؤلاء في استصدار الأحكام من خلال الاقتناع الشخصي، بنعم أو لا، ما دام هناك ثلاثة قضاة يحرصون على احترافية إعداد الحكم خلال المداولات. بينما مثل الرأي الثالث وهو اتجاه أطلق عليه مدير مركز البحوث القانونية والقضائية السيد بوزريتي جمال، الاتجاه المحايد، الأستاذ المحامي ميلود براهيمي الذي لا يمانع في الإبقاء على نظام المحلفين كما لا يعترض على تنحيته، لكنه يربط ذلك بضرورة التسبيب وعدم الاكتفاء بالاقتناع الشخصي عند اعتماد الاستئناف في المحاكمة الجنائية، حيث يمكن -كما قال- الإبقاء عليه في المحكمة الابتدائية. والتخلي عنه في المحكمة الاستئنافية على اعتبار أن قضاة هذه الأخيرة أكثر عقلانية ورشادة وحكمة تسمح لهم بإعادة النظر في الحكم الابتدائي وعملية تسبيبه من دون أخذ رأي المحلفين الشعبيين في درجة التقاضي الثانية (الاستئناف). وقد رفع المشاركون في ختام الأشغال توصيات إلى الجهات الوصية وفي مقدمتها وزارة العدل، تتضمن كل هذه المقترحات بالإضافة إلى أفكار حول إلغاء الأمر بالقبض الجسدي خلال المحاكمة الجنائية، واعتماد مقر المحكمة الاستثنائية الجنائية بالمجلس القضائي، بالنسبة لعملية الاستئناف، والمحكمة التابعة إقليميا للمجلس القضائي ذاته بالنسبة لإصدار الأحكام الجنائية الابتدائية، كما أوصى المشاركون بضرورة معالجة مسألة الدورات الجنائية وضبط وقتها خلال عملية إصلاح محكمة الجنايات.