ألقى المجاهد رضا مالك أول أمس بجناح (ب) بالصالون الدولي للكتاب، كلمة حول سيرة ونضال المجاهد القائد لخضر بن طوبال، بمحضر عائلة المرحوم وجمع غفير من كبار الساسة والمثقفين ورجال الإعلام. إن استحضار سير الرجال ومحاولة ملامسة ما تركوه من خصال ليس بالأمر السهل، لأن تناول هذه السير هو في حد ذاته فتح صفحة لكتابة التاريخ ولو بشيء من الإشارة والاقتضاب، لكن عندما يكون المتكلم هو ممن عايشوا الحدث عن كثب، فإن الأمر يكون أكثر وضوحا، والأستاذ رضا مالك لم يغب عن باله شخص القائد لخضر بن طوبال فكان وفيا له ولم يمض على وفاته من الأيام إلا القليل، استهل كلمته مخاطبا السيدة بن طوبال قائلا » يشرفني اليوم أيما تشريف أن أتحدث في هذا المحفل عن إنسان عرفته عن كثب، إنسان حمل الجزائر في أعماق روحه وفي شرايين دمه منذ الطفولة الى آخر أيامه، وأعني به المجاهد الراحل سي لخضر بن طوبال قائد الولاية التاريخية الثانية«. وأضاف رئيس الحكومة الأسبق في كلمته حول الفقيد، أن هذا الأخير كان يعرف معرفة حقة موطأ قدمه كلما تعلق الأمر بالجزائر. ويستطرد - الأستاذ رضا مالك - » كيف لا وهو الجزائري الذي نبت مثل الشجرة وعرف خصائص التربة التي ينتمي إليها«. وأكد المحاضر أن الثورات السابقة منذ 1830 كانت محصورة في العائلات التي لها نفوذ من عبد القادر إلى المقراني إلى الحداد وبوعمامة، وجاءت نتيجة سياسة استعمارية كرست التفقير والتجويع والاستحواذ على الأراضي، مما جعل الشعب الجزائري شعبا مشتتا يفتقر إلى خصائص الوجود الإنساني ومن ثم عمل المستحيل من أجل الحفاظ على هويته. ويضيف السيد رضا مالك، » ولذلك كان من الطبيعي أن يبرز من هذا التشرذم والتشتت أناس نابعون من قلب المحنة وعلى دراية بما يحتاج إليه الشعب الجزائري، وليس هناك أدنى شك أن سي لخضر بن طوبال من طينة من تطلعوا للخلاص من الظلم والاستبداد، لأنه ولد في بيئة اجتماعية وسياسية تساوى فيها جميع الجزائريين بحكم العذاب والمعاناة التي لا تنتهي، والتي عاش فيها هذا الشعب الى غاية تفجير ثورة أول نوفمبر 1954م«. واستعرض السيد رضا مالك في حديثه عن الراحل المجاهد لخضر بن طوبال، أهم المراحل التاريخية المشرقة التي ميزت حياة هذا المجاهد الفذ، والذي ظلت الجزائر بالنسبة له عرقا نابضا على الدوام لأنه ابن الشعب البسيط في هذا العصر. لخضر بن طوبال، يضيف رضا مالك، من مواليد 08 جانفي 1923 بميلة وابن خباز وله خمس شقيقات وأخوان هما عمار والسعيد وقد استشهدا في ميدان الشرف. ويقول مالك في استعراضه لسيرة هذا المجاهد، أنه في سنة 1937 توجه الى مدينة قسنطينة ليدرس في ثانوية ''بول فيري''، وفي سنة 1939 قدمه سي عبد الحفيظ بوصوف إلى حزب الشعب الجزائري والتحق به على الفور، حيث عين سنة 1943 رئيسا لخلية الحزب في ميلة، وفي سنة 1946 حكم عليه بثلاثة أشهر سجنا بعد ان ساند امبارك الميلي في ترشيحه للجيلالي مبارك، وفي سنة 1948 صار عضوا في المنظمة الخاصة، وعندما اكتشفت المنظمة الخاصة سنة 1950 وقائمة المناضلين للبوليس الاستعماري اختبأ سي لخضر في الأوراس وأمضى أربع سنوات كاملة فيها. كما سرد رضا مالك بعض المحطات التاريخية الأخرى، منها ذهاب لخضر بن طوبال الى الخروب واجتمع بالمناضلين زيغود وديدوش وعمار بن عودة... ويضيف المحاضر ان سي لخضر بن طوبال ساهم في تفجير ثورة أول نوفمبر وكان في المنطقة الثانية والتي تضم جيجل، الميلية وميلة، وكان معه 16 جنديا قاموا بعملية هجوم على ثكنة الدرك بميلة وفي 20 أوت 1955 كان صحبة زيغود ممن قاموا بعمليات الشمال القسنطيني من أجل فك الحصار على الأوراس وتعميم الثورة الجزائرية على كل الأماكن لتصبح ثورة شاملة وعارمة، إضافة إلى مساندة الشعب المغربي الشقيق بالدعوة الى إعادة محمد الخامس من منفاه بمدغشقر الى وطنه المغرب. كما حضر لخضر بن طوبال مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 صحبة زيغود يوسف وكان ضمن المسؤولين الكبار أمثال العربي بن مهيدي، زيغود، كريم بلقاسم وعبان رمضان وعين حينها نائبا لقائد الولاية الثانية، لأن زيغود أرسل الى الولاية الأولى لتنظيمها بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد وشيهاني، وأصبح بن طوبال مسؤولا وقائدا للولاية الثالثة بعد استشهاد زيغود يوسف، وعند مرور كريم بلقاسم بالولاية الثانية سنة 1957 طلب من لخضر بن طوبال مرافقته الى تونس حيث حضر ملتقى المجلس الوطني للثورة الجزائرية في أوت 1957 وتم تعيينه عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ، وعندما تم تأسيس الحكومة المؤقتة في 19 سبتمبر عين وزيرا للداخلية، كما كان صحبة عبد الحفيظ بوصوف وكريم وخيضر من قادة أركان الحرب كما عين في مفاوضات »إيفيان« السرية الأولى و»إيفيان« المعلنة الثانية ممثلا ومفاوضا عن الجانب العسكري. وأضاف رضا مالك قائلا »استطاع بن طوبال أن يقود مع رفاقه ثورة نوفمبر الى الاستقلال، وسي لخضر الذي عرفته وعايشته كان شخصا هادئ الطباع ولا يكاد يوجد له نظير، وكان صاحب ذكاء وبصيرة، مما مكنه النظر أمامه بكل حصافة، أمنيتي أن يبقى هذا الرجل الفذ حيا في الذاكرة الجزائرية مع الأبطال وصانعي التاريخ.