بأصالتها ورموزها ذات الدلالات التاريخية والثقافية، دخلت صناعة الزرابي التقليدية قلب السيدة ''مباركة قويرق'' (46 سنة)، فأصبحت مع مرور الزمن الهواية التي تعشقها ولا تتصور حياتها بدونها، بل لا تريد أيضا أن يضعها الجيل الحالي في طي النسيان، وهو ما دفعها إلى تأسيس جمعية ''الأصالة'' لمرافقة المرأة في مجال الصناعات التقليدية والمحافظة على التراث كعربون محبة لحرفة كبرت معها. منذ طفولتها والفضول يغمرها للتعرف على طريقة عمل آلة النسيج التي كانت تلامسها والدتها وبعض الجارات، ليحولن الخيوط إلى زرابي.. ولم تنتظر طويلا لتبدأ تجاربها في مجال صناعة الزرابي التقليدية في سن العاشرة.. وسرعان ما تعلمت أناملها كيف تكتسب صنعة الأجداد. التقت ''المساء'' بهذه الحرفية لدى زيارتها للمعرض الوطني الأول للإنتاج الأسري المنظم بالمركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي، وتبين من خلال تبادل أطراف الحديث معها أنها في البداية كانت تصنع الزرابي لنفسها، وعند بلوغها سن ال19 أخذت تبيع منتجاتها للغير... ولما سألتها ''المساء'' عما إذا كانت تعتمد على هذه الصناعة التقليدية كوسيلة للاسترزاق ردت: ''لا.. الحكاية وما فيها هي أني أعشقها ولا أتصور حياتي بدونها.. بل ولا أتصور أن يتخلى عنها الناس.. إنها جزء لا يتجزأ من التراث، أسخر وقت فراغي للمحافظة عليه." دلالات تاريخية وجغرافية تنثرها الحرفية على الزرابي ليظل عبق الماضي في الذاكرة على الدوام، لكن هذا لا يعني أنها تكتفي بصناعة زربية ''الجبالي'' التقليدية أو زربية ''القطع'' التي تتميز بألوانها الثلاثية (الأبيض والأسود والعنابي)، حيث قررت أن تدخل عليها ألوانا أخرى استجابة لمتطلبات الجيل الحالي... وهكذا بدأت تتلاعب بالألوان لتدخل الفرحة على قلوب العرائس اللواتي تعد الزرابي التقليدية قطعة أساسية في جهازهن، باعتبار أن البيت الأغواطي مازال متمسكا باستخدام الزرابي التقليدية كفراش أو كزينة. السيدة ''مباركة قويرق'' التي لا تترك آلة النسيج في وقت الفراغ منذ أكثر من ربع قرن لا تتمنى سوى شيئ واحد، هو توريث هذه الحرفة الأصيلة لبنات اليوم لتفرض وجودها على الدوام.. ولبلوغ هذه الغاية حققت منذ سنة مشروع تأسيس جمعية ''الأصالة'' لمرافقة المرأة في مجال الصناعات التقليدية والمحافظة على التراث ببلدية سيدي مخلوف بالأغواط، أملا في تحويل النساء الماكثات بالبيت إلى منتجات تحتضن أناملهن الهوية والخصوصية. فالحقيقة هي أن الزرابي التي تنسج في مختلف مناطق الوطن والمغرب العربي ككل باستعمال الصوف في أغلب الأحيان تحمل أشكالا هندسية متنوعة.. وقد تستعمل كفراش أو كغطاء، كما قد تعلق على الجدران لتزيينها أو توضع على أرضية البيت كزينة أيضا. والزرابي التقليدية عموما ثمرة مخيلة الأسلاف التي تتجاوز الوظيفة النفعية، إذ تعتبر مرآة عاكسة للبيئة الثقافية والدينية من خلال مجموعة الألوان والأشكال التي تنقل رسائل رمزية للعين-.