كشفت مصادر أمريكية أن دبلوماسيين سامين أمريكيين التقوا مؤخرا ممثلين عن نظام العقيد الليبي معمر القذافي، في أول اتصالات من نوعها منذ انفجار الوضع الأمني في ليبيا منتصف شهر فيفري الماضي. وإذا كانت هذه المصادر قد رفضت الكشف عن هويتها ولا عن تاريخ ومكان عقد هذا اللقاء -الأول من نوعه بين الجانبين- فإنها أكدت أن الدبلوماسيين الأمريكيين أكدوا لنظرائهم الليبيين على ضرورة مغادرة الرئيس الليبي معمر القذافي كرسي الرئاسة في طرابلس. ورفض المصدر الأمريكي أن ينعت اللقاء بأنه ''مفاوضات'' بين العاصمتين وإنما مجرد لقاء لتمرير رسالة واضحة إلى النظام الليبي مستبعدا تنظيم لقاءات قادمة على اعتبار أن الرسالة وصلت إلى آذان المسؤولين الليبيين. ويأتي الكشف عن هذه الاتصالات أياما فقط بعد كشف سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الليبي، عن وجود مفاوضات سرية بين مبعوثين عن والده والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وهو الخبر الذي أثار ضجة إعلامية وسياسية كبيرة في فرنسا واستدعى قيام مسوؤلين في الخارجية الفرنسية، بما فيهم الوزير ألان جوبي، على القول إن الأمر لا يتعلق بمفاوضات وإنما مجرد لقاءات غير رسمية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية لم تشأ الوقوع في نفس الحرج الذي وقعت فيه السلطات الفرنسية وهو ما جعلها تكشف عن هذا اللقاء حتى لا يحسب عليها وتكون مضطرة لتقديم توضيحات في حال تسريب مصادر ليبية لمثل هذا اللقاء. وربما هو الأمر الذي يفسر استباق مسؤول أمريكي، رافق وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى نيو دلهي الهندية، أية مفاجأة غير سارة في هذا السياق وسارع إلى القول إن اللقاء نظم بحضور جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وجيني كريتز السفير الأمريكي في طرابلس دون أن يكشف عن أسماء المسؤولين الليبيين الذين شاركوا في اللقاء، واكتفت بالقول إن اللقاء تم خارج ليبيا وهو ما فضحه فعلا مصدر ليبي عندما أكد أن اللقاء تم يوم السبت بتونس. وحسب المصادر الأمريكية فإن تأكيدات فيلتمان لنظرائه الليبيين بضرورة تنحي العقيد الليبي ربما تمهد لمفاوضات سياسية مباشرة بين النظام الليبي في طرابلس والمعارضة المسلحة في بنغازي. وهو المقترح الذي يصب في نفس المقاربة التي ما انفك يدافع عنها الاتحاد الإفريقي وروسيا، اللذان أكدا أن العقيد الليبي وافق على عدم المشاركة في أية مفاوضات محتملة مع المعارضة المسلحة. ويبدو أن مثل هذا الخيار يبقى أنسب الحلول المتاحة لأطراف هذه الأزمة الدامية التي دخلت شهرها السادس دون بوادر واضحة لإنهائها لا سياسيا ولا عسكريا، لأنه يحفظ ماء الوجه لكل الفرقاء وينهي مأساة الشعب الليبي ويبقى فقط بحث الآليات الكفيلة بالتقدم بالخطوة الأولى على طريق الجلوس إلى طاولة التفاوض. وتكون هذه الحركية هي التي مهدت لتنقل وزير الخارجية الليبي عبد العاطي العبيدي إلى العاصمة الروسية، حيث يلتقي بنظيره الروسي سيرغي لافروف، اليوم، لتناول آخر تطورات الوضع في بلاده حيث أطلع موسكو على حيثيات ما جرى خلال لقاء فيلتمان مع مسؤولين ليبيين في تونس. وجاء التحرك الدبلوماسي الليبي يوما بعد رفض السلطات الروسية الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل وحيد للشعب الليبي في اعتراض واضح على قرار لجنة المتابعة حول ليبيا التي قررت الجمعة الأخير بمدينة اسطنبول التركية الاعتراف بالمعارضة الليبية كممثل وحيد للشعب الليبي. وعرفت الساحة الدبلوماسية الليبية حركة دؤوبة هذه الأيام في نفس الوقت الذي اشتدت فيه المواجهات العسكرية الدامية بين الفرقاء الليبيين، كان آخرها مواجهات وقعت بين الجانبين من أجل السيطرة على ميناء البريقة الاستراتيجي في خليج سرت. وتضاربت المواقف حول حقيقة ما جرى في هذه المدينة ففي الوقت الذي أكدت فيه المعارضة المسلحة أنها استولت على الميناء، نفت السلطات الليبية الأخبار وأكدت أن الميناء مازال تحت سيطرتها.